الحدث - غزة- محاسن أُصرف
لم يكن الحصول على غرفة خالية في فنادق غزة قبل عام أمراً سهلاً، بل بشق الأنفس نظرًا لحالة التدفق لمئات المتضامنين العرب والأجانب وعشرات الإعلاميين على القطاع، غير أن الأمر الآن اختلف تماماً، فبالكاد تجد فندقاً فيه أكثر من ثلاث غرف مسكونة.
لقد أثمرت حالة الركود الاقتصادي التي شهدها القطاع عام 2013 جراء استمرار الحصار وإغلاق المعابر والحدود بالكامل أمام الوفود الأجنبية والمتضامنة مع أهالي القطاع؛ أثمرت خسائر كبيرة على قطاع السياحة قُدرت وفق إحصائيات وزارة السياحة والآثار في الحكومة المقالة بغزة بحوالي 3.5 مليون دولار، مما انعكس على مئات العاملين في الأماكن السياحية فاضطروا للتوقف عن أعمالهم بانتظار رفع الحصار، وإعادة إنعاش أكثر من 70 فندقًا سياحياً كانت تُحقق لهم دخلاً شهرياً.
غياب الوفود
وأوضح «رزق الحلو» مدير دائرة السياحة بوزارة السياحة والآثار بغزة، أن إغلاق المعابر أثر على أعداد الوفود التي تزور قطاع غزة لافتاً النظر إلى أن النصف الأول من العام المنصرم شهد دخول (147) وفداً، بينما تقلص عدد الوفود في النصف الثاني إلى (6) وفود فقط مؤكداً أن حركة السياحة الأجنبية مرت بمتغيرات عديدة وبلغت ذروة أعدادها في العام 2012 بمعدل (13.372) شخص، إلا أنها بدأت تتقلص بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي عن الحكم وتوتر العلاقات المصرية مع حركة حماس التي تدير القطاع، ما أدى إلى تكرار إغلاق المعبر بصورة كبيرة انعكست على مدى قدرة الوفود المتضامنة الدولية والعربية على الدخول إلى غزة، يقول: «كانت تلك ضربة قاسية للسياحة بغزة».
وحمّل «الحلو»، الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن حالة الإنهاك التي يعانى منها قطاع السياحة مؤخراً، وأوضح أن إغلاق مصر معبر رفح البري باستمرار، وعدم تمكن الكثير من القوافل التضامنية من الوصول للقطاع فاقم الأزمة، مطالباً بإعادة فتح المعبر للأفراد والبضائع دون قيود.
تدني نسبة النزلاء
ويشكو «فراس المصري» مدير العلاقات العامة في فندق المشتل، من تدني نسبة النزلاء لديه إلى العُشر، مؤكداً أن ذلك انعكس سلباً على سده لتكاليف التشغيل ولم يتمكن من جني أرباح، وقال لـ»الحدث»: «أن انخفاض عدد النزلاء جعلني أهتم أكثر بالسياحة الداخلية».
ولم تُغير السياحة الداخلية الحال كثيراً والأسباب كما يراها «المصري» ضعف الدخل لدى غالبية الأسر في القطاع، ناهيك عن اعتبارهم بأن ارتياد الأماكن السياحية رفاهية قد لا تتسع لها ميزانياتهم.
توقف عن العمل
فيما يؤكد إبراهيم البطة الذي يعمل في أحد الفنادق على شاطئ بحر غزة، أنه اضطر للتوقف عن العمل في الآونة الأخيرة وفقًا لرغبة مدير الفندق بعد أن عجز عن تسديد فاتورة راتبه، نظراً لحالة الشلل غير المسبوقة التي تمر بها السياحة مؤخراً، يقول «البطة»: «لقد تأزم الموقف بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، إذ أدى إغلاق معبر رفح الحدودي إلى عدم وصول وفود التضامن وبالتالي عدم إشغال الفنادق» مشيراً إلى أن الوضع سابقاً كان أفضل، حيث كانت تدخل قوافل المتضامنين فتشغل الغرف في الفنادق وتُحقق ربحاً، وتابع: «اليوم الزبائن قلة ويقتصر تواجدهم على المناسبات مما يُعجز صاحب الفندق عن تغطية مصاريف العمال لديه فيضطر لتسريحهم ريثما تتحسن الأوضاع».
تضييق خارجي
من جانبه أوضح «علاء البطة» نائب رئيس اللجنة الحكومية لاستقبال الوفود التابعة لوزارة الخارجية المقالة بغزة غياب الوفود بنسبة 95% عن قطاع غزة بعد عزل الرئيس المصري «محمد مرسي» منتصف العام الماضي أثر سلباً على القطاع السياحي فلم تعد الفنادق تدور حركتها وأُصيبت بالركود وعجزت عن الإيفاء بتكاليف تشغيلها.
ومنذ نهاية يونيو/ حزيران 2013 انخفضت نسبة الوفود التضامنية الواصلة إلى قطاع غزة إلى وفدين شهرياً وأحياناً وفد واحد، وعزا «البطة» ذلك الانخفاض إلى إغلاق السفارات المصرية في الدول العربية والأجنبية أبوابها في وجه المتضامنين مع قطاع غزة، بالإضافة إلى منعها إعطائهم شهادات براءة ذمة وعدم ممانعة، مما يُشكل عقبة كبيرة أمام وصولهم إلى القطاع وبيّن أن إغلاق معبر رفح من قبل السلطات المصرية وفتحه فقط بشكل جزئي لدخول العالقين وسفر أصحاب الحالات الإنسانية وحملة جوازات السفر الأجنبية، كان له أثره أيضا، على انخفاض عدد الوفود الواصلة إلى القطاع.
انتعاش محدود
إلى ذلك أكد د. ماهر الطبّاع الخبير الاقتصادي، أن انتعاش السياحة الداخلية خلال فترة الحصار وإغلاق المعابر سببه عزوف الفلسطينيين عن السفر للخارج بسبب إغلاق معبر رفح المتكرر، وقال: «انتشرت السياحة الداخلية بشكل كثيف وتمثلت في انتشار المنتجعات والمطاعم التي لاقت إقبالاً كبيراً لدى المواطنين»، وبيَّن أن السياحة خلال سنوات الحصار اقتصرت على وفود التضامن الأجنبية القادمة من خلال معبر رفح وعملت على إنعاش القطاع السياحي، وأفاد الطبّاع بأن الظروف الأخيرة بعد عزل الرئيس مرسي منتصف العام الماضي أثر بشكل كبير على عدم توافر أعمال وفرص عمل في الفنادق والمنتجعات السياحية والمطاعم، نتيجة عزوف الوفود المتضامنة عن القدوم إلى قطاع غزة، مما أدى انعدام نسبة إشغال الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية في القطاع.
ويرى الخبير الاقتصادي أن تلك التأثيرات أدت لارتفاع معدلات البطالة في قطاع غزة في الربع الثالث من عام 2013 إلى 32 % بواقع 130 ألف عاطل عن العمل مقارنة بالربع الثاني من عام 2013 والتي بلغت فيه معدلات البطالة 27%.
ويُشاركه «البطة» الرأي مؤكداً أن عدم وصول الوفود المتضامنة إلى غزة لم يؤثر فقط على قطاع السياحة، بل إنه زاد من حالة الفقر وفاقم نسب البطالة بين العاملين في فنادق غزة، موضحاً أن مئات العاملين في الفنادق باتوا عاطلين عن العمل ولم يتمكنوا من إعالة أسرهم وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم.
ووفقاً لأحدث الإحصائيات من وزارة السياحة بغزة، فإن قطاع السياحة يُشغل حوالي 1500 عامل يعملون في الفنادق والمنتجعات والأماكن السياحية الأخرى، انضم 90% منهم لقائمة البطالة.