عند متابعتي لقرار مجلس الأمن الرامي لوقف الاستيطان وادانته بوصفه مخالفاً للقانون الدولي تذكرت فوراً د. حيدر عبد الشافي الذي كان متميز بنظرة ثاقبة تجاه الاستيطان ومخاطره على مستقل قضية شعبنا.
في مفاوضاته مع رئيس الوفد الاسرائيلي روبتشتاين عبر مسار " مدريد، واشنطن " اصر القائد الوطني الكبير الراحل د. حيدر عبد الشافي على البدء من نقطة الاستيطان كمدخل لا بد منه لانطلاق المفاوضات.
كانت تبدأ الجلسة بين الطرفين عبر اثارة السؤال من قبل د. حيدر، ماذا بشأن الاستيطان فكان يجيب روبتشتاين دعنا من ذلك لنبدأ بترتيبات لنقل صلاحيات الادارة المدنية في مجال التعليم والصحة والسكن والبلديات وغيره.
كانت هذه الاجابة تعنى بالنسبة للدكتور حيدر، التنكر لعملية السلام ولمرجعيتها من قانون دولي وقرارات شرعية دولية تخص القضية الفلسطينية.
كان د. حيدر يقوم بلملمة اوراقه وتنظيم ملفاته ومغادرة قاعة الاجتماعات بسبب التسويف والرد السلبي الاسرائيلي، ومحاولة الالتفاف على هذه النقطة باتجاه فكرة الحكم الاداري للسكان دون الارض .
وبعد الحاح شديد من قبل د. حيدر تجاه نقطة الاستيطان بوصفها النقطة المركزية التي يترتب عليها مستقبل القضية وامكانية انشاء الدولة، قام روبتشتاين وبشكل صريح بالرد والاجابة مؤكداً ان اسرائيل تستوطن في ارضها ،حينها ادرك د. حيدر عبثية المفاوضات في اطار اصرار دولة الاحتلال على اعتبار أن الاراضي الفلسطينية المحتلة حق طبيعي لها وان الاستيطان مسألة عادية حيث ان اسرائيل تستوطن في " ارضها " ؟؟ وذلك في رد فج يعكس السياسة التوسعية الاحتلالية وعقلية الغطرسة.
وعند توقيع اتفاق اوسلو سجل د. حيدر اعتراضه عليه وفي المقدمة منه تأجيل قضايا الحل النهائي وبالاساس منه موضوع الاستيطان الذي يعنى استمراره تقويض فكرة الدولة المستقلة وتنفيذ خطوات تعكس السياسة الكولونيالية والتوسعية الاسرائيلية، من خلال احتلال من نوع اخر يستند إلى الاحلال والاجلاء وتهجير السكان الاصليين .
كان عدد المستوطنين عند توقيع اتفاق اوسلو وتأسيس السلطة حوالي 120 الف واليوم يبلغ عددهم اكثر من 700 ألف وتستمر دولة الاحتلال بمنهجها الاستيطاني وقد اقامت جدار الفصل العنصري وحولت الاراضي الفلسطينية إلى كنتونات ومعازل في اطار استمرارية سيطرتها على الموارد والحدود علماً بأن حرمان شعبنا من حقه بالوصول للموارد والتصرف بها احد الاسباب الرئيسية في التقهقر التنموي وانحدار مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة .
سيكون د. حيدر سعيداً لو كان حياً عند سماعه عن قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أدان الاستيطان وطالب بوقفه واعتباره غير شرعي ومخالفاً للقانون الدولي .
لم نكن بحاجة لتجريب 23 عاماً من المفاوضات المباشرة استغلتها اسرائيل لفرض الوقائع على الارض لتدمير فرص اقامة الدولة ولإقامة منظومة من الأبارتهايد على حساب الأرض والشعب والهوية هذا لوكان صانع القرار الفلسطيني لقد استمع جيداً إلى حكمه واتزان ورجاحة تفكير د. حيدر عبد الشافي.
ولكن لا باس من الهام استمرار السير بهذا الطريق وباتجاه واحد يعمل على تدويل القضية واستثمار كل الأدوات الدبلوماسية السياسية والشعبية لتعديل توازنات القوى وباتجاه مراكمة الانجاز على طريق تحقيق اهداف شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة.
لقد فتح القرار الباب واسعاً للعمل السياسي والدبلوماسي والشعبي الفلسطيني من خلال تفعيل ملف الاستيطان بمحكمة الجنايات الدولية ، وتوسيع حملة المقاطعة، وتطوير اوسع حملة للتضامن الشعبي الدولي ولكن لكي يتم تحقيق ذلك وغيره من القضايا التي من الممكن ان تساعد على تحسين موازين القوى لصالح حقوق شعبنا لا بد أن يتم انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة على قاعدة الشراكة والديمقراطية