معاناة الفلسطينيون في شتى أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وأشدها معاناة تلك التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون القاطنين داخل البلدة القديمة بالخليل، وسيما المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وحول المسجد الإبراهيمي الشريف، وما بين العبور حول حواجز الموت يتنفس العابرون الصعداء بعد كل مرور.
ومشهد يومي لجنود الاحتلال المدججة بالسلاح وأيديهم الضاغطة على الزناد، إن أخطأ أحد المارة الفلسطينيون أو جهل أي البوابات والحواجز يجب أن يسلكها ليخضع للتفتيش قد تحدث له مفاجأة لم يكن يحسب حساب لها، وما بين غضب الجنود وقهقهتم وسخريتهم عليك، و كل شيء متوقع إما السلامة أو عقاب ممن لا يرحم.
وما يؤلم الروح أصعب من جروح الجسد، أن تمتهن كرامة الإنسان وسيما الإهانات والانتهاكات التي تطال النساء وما أكثرها؛ والأموات التي خدشت كرامة أجسادهم والتي فارقتها الأرواح، والروح صعدت لخالقها ،والجسد المسجى لا حرمة له ولا كرامة .
لم استوعب الحدث بل الأحداث العديدة التي واجهتنا يومياً وذات المشهد يتكرر كلما ارتقى شهيداً أو أطلق الرصاص متعمداً وبقصد القتل من قبل جنود الاحتلال وتم خلالها سقوط العديد من الأبرياء ضحايا ودماءهم تراق على اسفلت أصم منه محتل لا يعرف غير لغة الدم والجريمة تتلوها وتتبعها الجريمة، وأبرياء من الأطفال والفتيات والشباب وحتى الشيب كتبت خاتمتهم ونهاية حياتهم بضغطة من زناد محتل حاقد لا يعرف الرحمة .
وجنود الاحتلال يقهقون وأنا لم استوعب ما حدث ويحدث، بالأمس القريب تعرض شقيق زوجي لوعكة صحية سارعت الأسرة بطلب سيارة الإسعاف لنقله إلى المشفى للعلاج، وتباً لمن لا تسكن الإنسانية نفوسهم وكم هي المعاناة أعظم وأكبر هي سنون عجاف عانت فيها النساء تلد على الحواجز، والمرضى ساعة الاحتضار لا مجيب لحشرجة الموت التي تشهق بها أنفاسهم الأخيرة .
فارق شقيق زوجي الحياة ولفظ أنفاسه الأخيرة وسلم الروح للرفيق الأعلى في مستشفى الخليل الحكومي، وهرولن بناته الثمانية للمنزل لوداع الوالد للمرة الأخيرة، الجميع يبكي من ألم الفقد والرحيل ،والأصعب منه هو انتظار وصول جثمان والدهم لإلقاء النظرة الأخيرة عليه وتقبيل الجبين وقراءة ما يتيسر من الدعاء.
أتيت أنا أيضاً للوداع؛ وخيمة الحزن تخيم على حارتنا وبيوتنا وجنود الاحتلال يحيطون المنزل، مررت من بينهم ومررت قريباً من مجندة إسرائيلية تقف وسط الحضور الواجم، لا تبالي بأحد ! وبكاء النساء على موتاهن وحزنهن معتاد، ولكن ما أحزنني وهالني وأفزعني بأن موتانا علينا أن نودعهم بحسب شروط الاحتلال ومسموح لنا عشر دقائق فقط لوداع فقيدنا، ولم يتسنى لى الوقت لتصوير جنود الاحتلال وهم يقهقهون، وعزاء ووداع جثمان مسجى بشرط عشر .