الحدث-بورندي
"طبل بورندي"، يمتلك من الخصوصية والتفرد ما يجعله يحوز الإعجاب ويقتلع عبارات الثناء حيثما حلّ عبر مهرجانات عواصم ومدن العالم.. تميّز يدفعه نحو الحصول على اعتراف دولي يمكّنه من الانضمام إلى لائحة "التراث العالمي"، من خلال المساعي الحثيثة التي تقوم بها السلطات البوروندية في سبيل نيل هذا الشرف، والتي من المنتظر أن تحسم نتائجها في تشرين الثاني المقبل، حيث ستدلي "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (يونسكو) بقرارها في مسألة إدراج طبل بورندي على لائحة التراث العالمي للإنسانية.
"ليونارد سينزينكايو" المدير العام للثقافة والفنون صلب وزارة الثقافة والرياضة والشباب البوروندية، يذكر أن إعداد هذا الملف تتطلّب بذل جهود مضنية، إذ أمضت مجموعة مكونة من أساتذة جامعيين وإطارات من وزارة الثقافة وبعض المختصين في التراث قرابة 3 سنوات لتوليف عناصره.
ولفت المسؤول البوروندي إلى أنّ "الرهان كان يتمحور حول إبراز الخصال التي تشكّل تفرّد الطبل البوروندي مقارنة بما يوجد في مناطق أخرى من العالم من آلات موسيقية متنوّعة، مشيراً إلى أنّ إدراج هذا العنصر الثقافي على قائمة التراث العالمي، سيمهد الطريق أمام دول أخرى للمشاركة في مجهود التعريف به والحفاظ عليه. في حديث له مع الأناضول
الرئيس البوروندي "بيار نكورونزيزا"، انخرط بدوره في هذا المشروع والتقى خلال زيارته إلى فرنسا، في حزيران، مع إطارات من اليونسكو، التي يوجد مقرها في باريس، حيث قدموا له وعوداً بتوفير الدعم لطلب بوروندي للحصول على موقف إيجابي من طرف اليونسكو قبل نهاية العام الجاري.
الطبل البوروندي أو الـ "أوموفوغانغوما" بلغة "كيروندي" المحلية، يصنع من جذع شجرة مصقول على شكل الطبل المتعارف عليه ومن جلد ثوروليس بقرة، وتميّزه يكمن في مكوّناته، حيث يتشكّل من 4 أجزاء، هي الساق والبطن والكاحل والجلد.
آلة النقر البوروندية راسخة في التاريخ البوروندي، ووجودها يعود إلى الحقبة الملكية في البلاد، بحسب المؤرخ "إيميل مووروها"، والذي قال، في تصريح للأناضول "هي آلة كانت تعتبر رمزاً للسلطة والقوة، كما تنص على ذلك التقاليد البوروندية. كان يدق على هذا الطبل بعيدان خشبية في باحة الديوان الملكي ولدى كبار القادة ممن تسري في عروقهم دماء ملكية".
اللافت أيضا هو أنّ قرع الطبل البوروندي يقتصر على الرجال دون النساء، أي أنّ استخدامه ظلّ ولا يزال حكراً على الذكور دون الإناث، ربّما هو الإيحاء نفسه بالقوّة الجسدية، والتي عادة ما تميّز الرجال، أو ربّما لما يتطلّبه قرعه من جهد قد لا يتناسب مع التكوين الجسدي للنساء. ومهما يكن، فإنّ قرع الطبل البوروندي ينبغي أن يترافق بحركات بهلوانية رشيقة يقوم بها ىقارعه، وتبهر الناظرين، وتشدّهم إلى ذلك المزيج غير المتجانس من الأصوات الجامعة بين الغرابة والجاذبية.
"آنتيم بارانساكاجي"، هو رجل سبعيني، قارع طبل بارع من بلدة "جيشورا" الواقعة شرقي العاصمة بوجمبورا، يقول أن "النساء يكتفين بمرافقة الرجال في أداء الرقصات ويمنع عليهن حتى مجرد لمس العيدان التي يقرع بها الطبل".
وعبّر "بارانساكاجي" عن استنكاره الشديد للجوء البعض إلى استخدام هذه الآلة أثناء الحفلات العائلية، قائلاً في استياء "إنّها جريمة شنيعة وتعدي على الثقافة".
وأعرب الشيخ البوروندي عن كبير حرصه على الحفاظ على هذه الثروة الوطنية مما قد يلحق أصالتها من تحوير حد الغلو في الكلمات، حيث أضاف "اعتبر أنّ محاولات بعض الجهات الأجنبية تملّك الطبل البوروندي يشكل انهيارا حضاريا وخسارة لثروة حضارية كبيرة".
ويتابع بالحماس ذاته: "لا يمكنني أن أفهم كيف أنّ آلة تحمل في طياتها القداسة، يمكن أن يصنعها الأجانب. هذه الآلة الفنية العزيزة على قلوبنا منذ أمد بعيد تسقط في ترهات الابتذال وتصبح كأي سلعة أخرى تباع وتشترى".
وبغية حماية هذا العنصر الثقافي، تنكب السلطات البوروندية على إصدار قانون يدرج جميع الأطراف المتداخلة من وزارة الثقافة إلى المختصين في التراث والنوادي الثقافية بحسب " سينزينكايو".وهو توجّه يترجم المكانة الخاصة التي يحظى بها الطبل البوروندي في الثقافة المحلية للبلاد، فهو رمز لبوروندي القديمة و"للشرعية الملكية" ولازدهار البلاد، ويرتبط في أذهان البورونديين بالتقديس ويتم قرعه في ظروف استثنائية مثل تنصيب الحكام أو عند مفارقتهم الحياة.