من المفارقات في الوضع السياسي الفلسطيني الراهن أن أعلى سلطة فلسطينية وأهم المواقع منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964 غائبة عن الدور المنوط بها، ويمكن التأشير لهذا الغياب بالمصادقة على اتفاق أوسلو في العام ألف وتسعماية وثلاثة وتسعين، وهو المؤتمر الذي شكل أول انفصال سياسي فلسطيني داخلي، وفيما بعد تكرس ذلك الانفصال السياسي حينما جرى عقد اجتماع المجلس في غزة عام 1996 لإنجاز مطلب إسرائيلي بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في نيسان من ذلك العام، وعقد اجتماع إجرائي قبل أربعة أعوام لملء الشواغر في اللجنة التنفيذية للمنظمة.
في ذلك الوقت وبعد إقامة السلطة الفلسطينية كان يقال إن منظمة التحرير هي المسؤولة عن السلطة، ولكن العكس هو ما جرى، بحيث غابت المنظمة عن دورها المفترض وقامت السلطة بتحمل مصروفات دوائر المنظمة بدلاً من الصندوق القومي الفلسطيني، عدى عن الضعف الذي أصاب هيئاتها المنبثقة عنها (المجلس المركزي واللجنة التنفيذية)، وذلك لصالح الحكومات المتعاقبة والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
إعادة الدور المفقود للمنظمة ضرورة وطنية، خاصة وأن التسوية السياسية مع الاحتلال الإسرائيلي قد وصلت إلى الطريق المسدود ولم يتبق من اتفاق أوسلو إلا الجانب الأمني بما يخدم الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، عدى عن أعمال الاستيطان التي تدمر إمكانات إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إذا ما أخذت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني قراراً بعقده، فلا بد من النظر إلى عضوية المؤتمر الملتبسة منذ انعقاد مؤتمر غزة وحتى الآن، وهو التباس لن يزول سوى بالاتفاق على عقد مجلس وطني بعضوية جديدة تزيل الالتباسات في عضوية المجلس وتفتح الباب أمام مشاركة فصائل فلسطينية أساسية ما زالت حتى اليوم خارج المنظمة، والمقصود بذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وعلى اللجنة التحضيرية أن تخترع السبل الكفيلة بإعادة تشكيل المجلس القادم (دون استبعاد إجراء انتخابات في بعض الساحات العربية)، أما بخصوص الوضع الفلسطيني الداخلي فإن وضع الأسس الكفيلة بإنهاء الانقسام الداخلي لم تعد ترفاً، ولن تحل على أيدي المتفاوضين حالياً أو باللقاءات المنتشرة في كل أصقاع العالم، والتي لم تعد تثير لدى الفلسطينيين أدنى اهتمام!
حتى ينجح المجلس الوطني في أخذ دوره المفترض، فلا بد من التوجه نحو إحياء الحياة الديمقراطية الداخلية بما يخلص الشعب الفلسطيني من قيود أوسلو وتشكيلاته، بما في ذلك إعادة النظر بضرورة إيجاد المجلس التشريعي (بالتشكيل الراهن)، بمعنى أن تتشكل للشعب الفلسطيني هيئة تشريعية واحدة للداخل والخارج بعضوية رشيقة، وتعبيراً عن وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
المجلس الوطني الفلسطيني إذا ما أريد له النجاح بمهماته المفترضة، وإذا ما نزعنا من طريقه الألغام التي تستهدف تحويله إلى أداة استخدام لتصفيات داخلية، وتحديداً في اللجنة التنفيذية والتخلي عن الأساليب السابقة القائمة على المحاصصة واتباع توزيع "الكوتات"، والسبيل الأسلم للوصول إلى الغايات المنشودة هو بانعقاد المجلس خارج مناطق السلطة الفلسطينية حتى لا نترك لدولة الاحتلال التدخل في طريق مشاركة كل القوى والأفراد في المجلس الجديد.
انعقاد المجلس يجب التحضير له جيداً من حيث إنجاز التقارير السياسية وسبل الخروج من الواقع الفلسطيني الراهن وعلاقاته مع دولة الاحتلال، وكذلك بحث علاقتة بالجهاز الإداري والتنفيذي للسلطة ومركز القرار المالي (الصندوق القومي الفلسطيني).
المجلس القادم يجب أن يطلق عملية ديمقراطية واسعة بين أوساط الشعب الفلسطيني في النقابات والاتحادات الفلسطينية وتخليصها من الأشكال البيروقراطية التي أصبحت عبئاً سياسياً ومالياً على الشعب الفلسطيني، وفي مجال هذه التطويرات المطلوبة فإن إعادة الحياة إلى قرار سابق (مضى عليه أكثر من عشر سنوات)، وهو القرار الخاص بتشكيل إطار قيادي موحد لإعادة بناء وتطوير المنظمة، إنما يدخل في إطار الاستعداد الفعلي لانعقاد مجلس وطني ناجح وفعال.