في عيون غزة
الحدث - غريب عسقلاني
ماذا يعني المخيم في الوجدان الفلسطيني؟
وماذا يعني المخيم للأديب الفلسطيني؟
وكيف ترسّب في وعي الشاعر والقاص والروائي، وخاصة عند جيل الكتاب الذين تبلور وعيهم مع أسئلة النكبة في خمسينيات القرن المنصرم؟
وكيف تغيرت صورة المخيم مع تطور الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الفلسطيني؟
هل تبلور المخيم كياناً اجتماعياً له علاقاته وتقاليده وأعرافه؟
هل امتلك ما يميزه عن مجتمع الحضر في المدينة أو مجتمع الريف في القرية، أو حتى العشيرة في البادية؟ أم ظل درنات مشوهة نتجت حادث عارض؟
هذا الخليط من الناس الذين اقتُلعوا من أماكنهم، على اختلاف منابتهم، كيف اندمجوا في نسيج بشري له همومه وأحلامه المشتركة؟
المخيم هذا الطارئ الذي غافل التوقعات وأصبح واقعاً له أجندته وتواريخه ومحطاته قطعت من عمر الفلسطينيين سبعة عقود.
ما هي الأسئلة الأولى؟ هل ساهم في الحفاظ على الذات والهوية؟ وهل ما زالت الأسئلة على توهجها وقد رحلت عن الدنيا أجيال خبرت البلاد؟ ماذا تركوا للأبناء والأحفاد، وماذا أضاف اللاحقون عل ما زرع السابقون؟
هل ما زالوا على تمسكهم بمفاتيح البيوت، وتحريز الكواشين والمواثيق والحجج، وأحجبة العرافين ومجاذيب الأضرحة وعشاق أولياء الله الصالحين؟ وهل تبلورت في المخيم عادات جديدة بديلة عن عادات الكوانين وبطانيات الإعاشة، وذكريات عام الثلجة الذي شكل تقويماً للأعمار والمصائر؟ وكيف توصل أهل المخيم إلى لغة هجينة واكتسبوا مفردات فرضها واقع الحال؟
أسئلة تفتح بوابات الذاكرة وتتمحور حول جوهر المعاناة، وتفرض الإجابات من خلال المواجهة.
كيف تفاعل الشاعر والقاص والروائي مع هذه الأسئلة، وأخرجها صوراً وحكايات، في كيانات أدبية مصادق عليها كشهادات لا يمكن دحضها، وهل كانت وما زالت الوسيلة الأنجع لاجتياز الذاكرة الجماعية والمحارة تخبئ تحت صدفتها اللآلئ الثمينة”
هل ذاكرة المخيم سجلت صراعاً غير متكافئ من أجل الحياة؟
أم هي الزناد الذي يقدح شرر حضور النكبة فلا تغادر الوقت جيلاً بعد جيل؟
***
سؤال الأسئلة!!
هل المخيم ضربة قدر ولعنة متواصة؟
سؤال يضرب قشرة الرأس يغوص في تلافيف الدماغ، فهو الحكاية التي عرفتنا على البدايات وتركت النهايات مفتوحة.
هذا الطارئ بات حزناً رومنسياً لا يمكن الفكاك منه، حارق يفجر الغضب من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، هكذا نعيشه وقد دخل فسيفساء الأرض السليبة، وبات رقعة مسبية كما الوطن يجب الدفاع عنه، والتمسك به إشارة رفض، حتى يزول الاحتلال ويزول المخيم، وتعود الجغرافيا، وتتوزع الديموغرافيا في مراكزها من جديد، ويتحول الطارئ إلى سجل مناعة وصمود.
غزة التي تضم أكبر كتلة من اللاجئين داخل الوطن توزع معظمهم من شمال القطاع إلى جنوبه في ثمانية مخيمات غيروا معالم الحياة، وضربوا المثل بالصمود واختبار كل عوامل التبعثر والتشظي والفناء، وأخذوا أدوارهم في الفعل السياسي والوطني، وكان المخيم على فقره وعوزه حاضنة لا تتأخر عن واجبها إذا ما تعلق الأمر بالعودة للوطن.
هل نعود في ذكرى النكبة إلى ذاكرة المخيم ونخرج من صدفتها الحكاية التي كما اللوز مهما استبد به العطش لا يتأخر عن ميعاده؟
وهل سيكون ميعاد تفتح لوز المصالحة مع تفتح الطريق نحو الوطن بعد اختبار عوامل النجاح والفشل؟
أيها العاملون على المصالحة تذكروا أن الوطن على مرمى حجر، وأن الحجر الأول انطلق من كف الشهيد الأول حاتم السيسي في مخيم جباليا الذي ارتسمت في على جبينه خارطة الوطن.