الحدث.
حصلت الباحثة والناقدة السويسرية «ليونور غارسيا» في قسم اللغة والأدب والحضارة العربية بجامعة جنيف السويسرية، على درجة الماجستير عن أطروحتها "زمن العودة – تحليل العناصر الزمكانية في قصص الأديبة الفلسطينية فدى جريس".
وتركز البحث، الذي أشرفت عليه البروفيسرة سيلفيا نايف والبروفسيور بيتر دوفي، على الأدب الفلسطيني عامة والأدب الحديث خاصة، واختارت غارسيا مجموعتي فدى جريس: "حياتنا الصغيرة" (2010) و"الخواجا" (2014) لتتركز حولهما الأطروحة.
بدأ البحث بالاستناد إلى جلّ دراسات الأدب العربي الحديث التي تولي مكانة خاصة للأدب الفلسطيني سواء من حيث البحث في المكان (الفضاء)، أو الأدب النسوي أو الأدب عمومًا. فكتاب "الشعرية في المكان في الأدب العربي الحديث" بإشراف بطرس حلاق، روبين أستل وستيفان وايلد خصص العديد من الأجزاء لكتّاب فلسطينيين. كما أن كتاب "النساء العربيّات الكاتبات: دليل مرجعي 1873-1999" أكد على نفس النقاط إذ بينت الكاتبة رضوى عاشور- وهي من ضمن الفريق الذي أعد الدليل - أن الأدب الفلسطيني، خلافا عن سائر الآداب في العالم العربي، مرتبط في جوهره بالجغرافيا والتاريخ، أي بالمكان والزمان.
فالمكان والزمان هما عقبتان وفي نفس الوقت دفعا لتكوين هوية ثقافية وقومية فلسطينية. ذلك أن النكبة أجبرت عشرات آلاف الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، ومع مرور الزمن أصبحت العودة صعبة وبقي داخل كل فلسطيني ذكرى أرض ضائعة. فأصبح بذلك المكان والزمان قوة دفع إذ أن الصورة التي نحتها كل فلسطيني من هذا الماضي تصقل نظرته للمستقبل وتساهم في بناء ذاكرة جماعية.
اختيار البحث قصص الكاتبة الفلسطينية فدى جريس عللّه مسارها الفريد إذ أنها عاشت الغربة شأنها شأن ملايين الفلسطينيين ثم حققت حلم العودة، ولو أن العودة خيّبت ظنها. فهي كفلسطينية متعلّقة بشعبها وبثقافتها، وهي مسكونة بالحنين للماضي الفلسطيني وذكرى الأرض المسلوبة.
تجربتها في الغربة، والعودة، عوامل جعلتها تنصهر في القضية والهمّ الفلسطيني. فبدت كتابة قصصها مختلفة عن غيرها من الكتّاب رغم أن المكان والزمان بقيا الركيزتين الأساسيتين لهذه الكتابة.
شملت الدراسة جزئين، الأول نظري في تاريخ الأدب الفلسطيني الحديث في القرن العشرين وعلاقة الكاتب الفلسطيني بالمكان والزمان وذلك لموقع الكاتبة فدى جريس ومسارها الحياتي ونوعية كتاباتها، والثاني تحليل سردي للمجموعتين القصصتين. أبرز هذا البحث العديد من المسائل الخاصة بفلسطين والتي تعيشها جريس بكل أحاسيسها لكن تنتقدها في الوقت نفسه، ذلك لأنها عاشت الغربة وتعيش العودة، ما دفعها لكتابة هاتين المجموعتين اللتين من خلالهما أمكن لنا الإطلاع على الحياة السياسية في فلسطين وتأثيرها على الحياة اليومية، وعلى وضع المرأة، وعلى علاقة الفلسطيني بالوطن ومدى عمقها وتشبثه بثقافته الأصيلة.
وتبيّن للباحثة أن المكان والزمان هما انعكاس للحالة الفكرية للشخصيات كما بدا ذلك خاصة في المجموعة القصصية "حياتنا الصغيرة"، حيث تعيش الشخصيات منغلقة في المكان وفي عادات وموروث قاس، كما أن المجموعتين القصصيتين تبرزان محيط عيش متواضع مع بعض الفوارق بين الجنسين. وتوحي العلاقات القائمة بين الشخصيات الحالة السياسية التي تعيشها وذلك من خلال المقارنة بين السرد والواقع الحقيقي.
أما الزمن فله أهميته في إعطائه نسقًا للسرد كما هو الحال في قصة "الحلقة المفرغة" أو عندما يرتبط بالفضاء والمكان في نظرة أفقية للتاريخ كما رأت الباحثة في قصة "سفر برلك"، أو بعمل مقارنة إجمالية للمجموعتين القصصيتين. فالمقارنة تظهر أن لكل نوع من المكان المغلق من جهة والمفتوح من جهة أخرى زمنًا يعادله، زمن ما قبل 1948 وزمن سنين الألفين (2000) مما يؤكد التّرابط العميق بينهما وترابطهما الحتمي مع الواقع.
فالعناصر الزمكانية مرتبطة جوهريًا كلما نظرنا إليها من وجهة نظر تاريخية بل لعلهما متفاعلين مترابطين فالبحث فيهما مفردين قد يبرز المسالك السردية في بناء الواقع لكن دراستهما مجتمعتين يعطي معنى للنص ويمكن ربطه بالواقع، الواقع الساكن في الكاتبة، في تاريخها، وفي حاضرها وقت الكتابة، واقع التاريخ الذي يغيره إحساس خاص بما أنه مرتبط بشعب لم يُعرف منذ البداية إلا من رواية التاريخ. من يقول تاريخ يقول ذاكرة فكلاهما بيني الآخر. في انعدام الدولة لم يبق للفلسطينيين سوى الحلم بدولة المستقبل تكون مرآة لمخيلتهم من خلال الذكريات المتوارثة عن آبائهم وأجدادهم، وحبهم للوطن والحنين إليه.
كما أوردت الباحثة أن اللغة التي استخدمتها الكاتبة جديرة بالدراسة سواء من ناحية السرد أو الأسلوب السهل القريب من اللغة العامية أو الحوار، كتابة بالمحكية الفلسطينية مساهمة بذلك في توطيد الثقافة والهوية الفلسطينية، مما يجعل فدى جريس كاتبة المقاومة وهو ما لا تقره الكاتبة عن نفسها.
في ختامه تطرق البحث إلى مجموعة جريس القصصية الجديدة "القفص" المنتظر صدورها العام الجاري، وهي مجموعة مستوحاة من سيرتها الذاتية وتسرد فيها الواقع اليومي العادي في رام الله الذي يختلف عن واقعها في فلسطين الداخل، إذ أن الكاتبة قررت العيش في رام الله منذ سنوات فرارًا من المواجهات النفسية مع الدولة الإسرائيلية ولكي تحيا بانسجام مع هويتها الفلسطينية. البحث الذي رأى في هذه المجموعة الجدية عناصر تحليل جديرة بالدراسة، اختار مقطعًا يبدو فيه الجانب السياسي واضحًا جليًا إذ أن المشهد يصف فلسطينيين يريدون عبور حاجز قلنديا بسيارة والذهاب إلى القدس، بانتظار طويل والجنود الإسرائيليون يفتشون السيارات التي أمامهم.