يلتقي اليوم الأحد وزراء خارجية وممثلون عن زهاء سبعين دولة ومندوبون عن منظمان دولية، في العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة في "مؤتمر السلام في الشرق الأوسط"، الذي يسعى إلى "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967 بشكل نهائي"، كما جاء في البيان المشترك الذي صدر في ختام اللقاء الدولي الذي عقدته فرنسا مطلع حزيران/يونيو 2016 بمشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ووزير الخارجية الأمريكي، وأمين عام الأمم المتحدة السابق، وممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.
يشكّل هذا المؤتمر تتويجاً للجهود الفرنسية التي أطلقت مطلع حزيران/يونيو من العام الماضي، لإحياء عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية الفاشلة، وإنقاذ حلّ الدولتين، الحلّ الذي يتشبّث به المجتمع الدولي علانية رغم النوايا والسياسات الإسرائيلية المطَبّقة لفرض "حقائق على الأرض."
مع الثناء على الجهد الفرنسي، يُطرح تساؤل حول كيف يمكن لهذه المبادرة أن تكون مختلفة في المضمون والنتائج عن جهود سابقة؟
بدايةً، تشكّل الطبيعة الدولية لـ "مؤتمر السلام في الشرق الأوسط" انعتاقاً من "عملية السلام" المتمحورة حول الولايات المتحدة، التي قدّمت السياسة دوماً على العدالة. وبينما وُجّهت انتقادات لعدم مشاركة أيّ من المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في المؤتمر، إلا أنّ إطار عمل المفاوضات الثائية السابقة أوجد مظهراً زائفاً من القوة المتماثلة، وساوى بشكل ظالم بين أدوار إسرائيل، قوة الاحتلال، والفلسطينيين، الشعب الواقع تحت الاحتلال.
وللتوضيح، لا يجوز لقوى أجنبية أن تحدّد مصير الشعب الفلسطيني، ورغم ذلك فإن النُهُج المتغاضية عن القانون الدولي والواجبات والالتزامات ذات الصلة به، بما فيها تلك المتعلقة بالأطراف الثالثة، قد فشلت. أنتجت هذه العمليات توقيع اتفاقيات مرحلية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 (إتفاقيات أوسلو)، والتي رغم مرحليتها من أجل الوصول إلى سلام دائم، لم تؤدي إلا إلى تدعيم سيطرة إسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة. وتحت ستار التفاوض من أجل السلام، زاد الاحتلال من وتيرة توّسعه الاستيطاني، وعزل القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية، وحَوّل قطاع غزة إلى سجن كبير، واستمر في الوقت ذاته في انتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي والحقوق الفلسطينية.
إن أردنا أن نتعلّم درساً من التاريخ، فلا بد من تغيير النَهج. مبادئ القانون الدولي، ومعايير حقوق الإنسان، كما هي مقرّة من قبل عدّة قرارت للأمم المتحدة، بما فيها القرار الأحدث لمجلس الأمن، يجب أن تكون قاعدة المناقشات خلال المؤتمر، ولأيّ مفاوضات مستقبليّة.
وعلى هذا الأساس، على المجتمع الدولي أن يتعامل مع هذا المؤتمر كفرصة لمراجعة الدور الذي لعبه في إدامة الاحتلال وجعله ممكناً. هل تسمح الدول المشاركة ببيع منتجات المستوطنات في أسواقها المحلية؟ هل تساهم مشاريع المعونة التي تقدمها في الأرض الفلسطينية المحتلة في ثبات السياسيات الإسرائيلة أو تحمّل التكاليف التي يجب أن تتحملها إسرائيل كقوة احتلال؟ هل اتخذت خطوات لوضع حد لعدم الالتزام الإسرائيلي بالقانون الدولي، بما في ذلك من خلال آليات الأمم المتحدة المختلفة؟ لا يجوز توقّع عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات بينما تستمر إسرائيل في التصرّف مع الإفلات من العقاب، ووقوف العالم متفرجاً.
آن أوان سلوك نهج جديد مع الإحتلال، مبنيّ على العدل والقانون، ويضمن عدم استمراريته. قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016) يقدّم للمشاركين في المؤتمر والمجتمع الدولي عموماً الفرصة للقيام بالأفعال المناسبة. فالقرار أعاد التأكيد على عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الدولي، والمطالبة بوقف كافة الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
في حال استمرار إسرائيل في تجاهل القانون الدولي وإخفاقها في الالتزام بهذا القرار - وهو أمر مؤكد بحكم عدم التزامها المعتاد عليه بقرارات سابقة للأمم المتحدة - عليها مواجهة إجراءات عقابية على عدم الالتزام.
إن تجريب المجرّب لن يؤدي إلى نتائج جديدة، ومع دخول الاحتلال عامه الخمسين، لا بد للمجتمع الدولي من التعلّم من فشل عمليات سلام ومفاوضات سابقة يَسّرت استمرار الاحتلال في انتهاكاته للقانون الدولي وحرمان الفلسطينيين من حقهم الأساسي في تقرير المصير. آن أوان اتخاذ إجراءات ملموسة كفيلة بوقف المسارات التي يسلكها الاحتلال.