أصحاب الحرف اليدوية لا يرون حرجاً في التعامل مع المستوطنين
الحدث - سراب عوض
أثار العدوان الأخير على قطاع غزة جميع الأسئلة التي كانت نائمة في ذهنية المواطن الفلسطيني حول مقاطعة البضائع الإسرائيلية، أو التعامل مع المستوطنين في الضفة الغربية اجتماعياً وتجارياً، حيث يلاحظ المتابع لهذه القضية أن العديد من المحلات الحرفية والتجارية تحمل يافطات مكتوب عليها باللغة العبرية لجلب المستوطنين وإثارة انتباههم لحاجاتهم، وخاصة محلات السمكرة وتصليح السيارات والأثاث والمطاعم والبقالة وغير ذلك، وكأن المستوطن مواطن فلسطيني من حقه البيع والشراء في مدن الضفة الغربية وقراها، إن هذه الظاهرة تكثر في المدن والقرى المجاورة لجدار الفصل العنصري، والقريبة من نقاط العبور والطرق الالتفافية وخاصة، مدينة العيزرية وقرية حزما ونعلين ومثلث ترقوميا، وربما سائر المدن والقرى المحاذية للمعابر، إن هذه الظاهرة، وفي الوقت الذي يعبر فيه عن سوء تقدير للحالة الفلسطينية، تعبر بشكل أو بآخر عن خلق وسوء تقدير للشخصية الوطنية في مواجهة الاحتلال ومحاربة كافة مظاهر التطبيع مع المحتل، والغريب هنا أن البلديات والمجالس القروية ترى هذه اليافطات ولا تحرك ساكناً، حيث توجهنا بالسؤال الاستفهامي إلى العديد من المواطنين الذين أبدى بعضهم غرابة كبيرة لوجودها في مدنهم وقراهم، أما أصحاب المحلات، فإن الغالبية العظمى منهم رفض الإجابة على أسئلتنا، مستغرباً طرحها أصلاً، على قاعدة أن هذا أمراً طبيعياً وليس عملاً مشيناً أو مخالفاً للقيم والأخلاق الوطنية الفلسطينية، وربما يرى البعض منهم منفعة له وانتعاشاً لحرفته ودخل أسرته، وخاصة أصحاب كراجات السيارات والموبيليا.
واعتبر محمد موسى سلامة، وهو أحد أعضاء الغرفة التجارية وصاحب محطة محروقات ومحلات تجارية، أن كتابة التُجار وأصحاب المحلات التجارية ليافطات عبرية، إلى جانب اللغة العربية، تعود لأسباب مختلفة، منها سهولة التعرف على هذه المحلات والوصول إليها من قبل المستوطنين، في حين أن معظم هذه المحال تقع على الطرق الالتفافية التي يمر منها المستوطنون والفلسطينيون، على حد قوله، مؤكداً أن جزءاً كبيراً من الفلسطينيين داخل الخط الأخطر، لا يجيدون العربية ولا يفهمونها، وبالتالي يلجأ أصحاب هذه المحال إلى وضع تلك اليافطات لجلب أنظارهم، وأشار موسى إلى أن دخل المواطن الفلسطيني قليل مقارنة مع الإسرائيلي، وعندما يقوم أحد المستوطنين بتصليح سيارته، فإنه يدفع أضعافاً مضاعفة مقارنة مع المواطن الفلسطيني.
وفي ذات السياق أكد مسؤول قسم الحرف والصناعات في بلدية العيزرية عطا جبر للحدث، أن انتشار هذه اليافطات المكتوب عليها باللغة العبرية بكثرة في السواحرة وأبوديس والعيزرية، سببها الرئيسي محاذاة البلدة لمستوطنتي معالي أدوميم وكيدار، فيدخلون إلى البلدة من أجل التسوق وشراء المستلزمات البيتية التي يجدونها بأسعار منخفضة جداً مقارنة بأسعار المستوطنات، لذلك يقوم التجار العرب بوضع لافتات كهذه لجلب أنظار المستوطنين، مع العلم أن قوات الاحتلال وما يسمى بالإدارة المدنية، قامت بوضع يافطة حذرت المستوطنين، من خلالها، من دخول البلدة، وأن أي مستوطن يدخل يعرض نفسه للمسؤولية القانونية.
فيما اعتبر الناشط صلاح خواجا، أن هذه اللافتات تعود لأسباب متجذرة وخفية بدأت مع محاولات الشركات الإسرائيلية التي يمتلكها إسرائيليون أو فلسطينيون من الداخل المحتل، وأعتدوا من خلال عمليات التشغيل والمقاولات على السوق المحلي والأيدي العاملة في المناطق المحتلة عام 1967، وبدأت تتدحرج هذه العملية بانخراط السوق الفلسطيني كمصدر استهلاك ومنتج وعامل في الأسواق والشركات، واستمرت حتى توقيع اتفاقية أوسلو وتقسيم المناطق إلى "أ" و"ب" و"ج"، وسيطرت إسرائيل بعدها سيطرة كاملة على مناطق "ج" وأكثر من ذلك بكثير، حيث استثمرت في منطقة الأغوار التي تشكل 28% من أراضي الضفة، وقامت بتشغيل الأيدي العاملة وفتح السوق المحلي أمام استثمار المستوطنين الإسرائيلين، ليس فقط للطاقات العاملة، بل للترويج لبضائعها واعتماد أسواقنا ومشاغلنا لاستغلالها في الإنتاج بأقل تكلفه من الأسواق والورش والمشاغل المحلية، وتوسعت هذه المناطق في كل الضفة الغربية، حتى عزز اتفاق باريس اعتماداً أكثر على هذه المناطق، ليس في عمليات الشراء، بل في ترويج المنتوجات الإسرائيلية ومنتوجات الكتل الاستيطانية، وبدأت علاقات ترتبط أكثر من حدود الجغرافيا، بل هناك مصانع تصنع ملابس وأحذية للشركات الإسرائيلية، وحينما تصاعدت الأحداث في الانتفاضة الثانية، تم ضرب قطاع النسيج والخياطة بسب اعتماد أسواقنا ومشاغلنا على الشركات الإسرائيلية، واستغلت الشركات الإسرائيلية البدء بإنشاء مصانع وشركات وأسواق تجارية، منها في مستوطنة بركان أو بروخين، وهي مستوطنة مقامة على أراضي سلفيت، وفيها أكثر من 124 شركة ومصنع إسرائيلي، إضافة إلى منطقة صناعية في مستوطنة أرائيل، وكذلك شبكة رامي ليفي المقامة في الضفة الغربية.
وأشار خواجا إلى دراسة باحث فلسطيني قدمها في رسالته للماجستير، حيث قام بتقديم دلائل على استثمار رجال أعمال ومستثمرين في المستوطنات والأراضي المحتلة عام 1948 بعشرات ملايين الدولارات، وهذا أمر خطير، فلو استثمرت هذه الملايين في المناطق الفلسطينية ستتضاعف عملية التشغيل عشرات المرات، ولكن للأسف يعتقد البعض أن هذا الاستثمار مضمون لربحيته الخاصة، وليس لوطنيته وطبيعة رأس المال وما يدفعه من ضرائب، وهنا قد يعتقد البعض أن بعض الورش التي هي في معظمها ورش صغيرة، كغسيل سيارات أو ميكانيك أو ورش النجارة والألمنيوم التي يتم اعتمادها وتشغيلها بآلاف الشواقل، قد يرى البعض أن حركة المستوطنين عليها في بلدات قريبة من الأراضي المحتله عام 1948، قد تخدم وتعود بالمنفعة على تشغيل المحلات، وقد يبحث بعض المستوطنين عن الأقل جودة والأقل سعراً، مثل المتدينين من المستوطنين، ولكن تستخدم هذه المناطق لارتباط مباشر بحركة المستوطنين، وأخرى بتسهيل وسائل استخبارية لجمع المعلومات عن المنطقة، أو بالتجارة والأسلحة والمخدرات وغيرها من القضايا، وأعتبر خواجا أن الحكومة الفلسطينية بحاجة لاستراتيجية تدعم من خلالها المناطق الحدودية، وتدعم صمود الناس على أرضها، لأنها وبكل بساطة، منسية في نظر سكانها، مشيراً إلى أن المجتمع المحلي في هذه المناطق يختلف من قرية لأخرى، مثلاً في بلدة نعلين، تم قتل أحد الإسرائيلين في داخل البلدة، ويقوم الشبان برشق سيارات المستوطنين بالحجارة باستمرار، ولهذا السبب قامت قوات الاحتلال بإقامة نقطة عسكرية على مدخل البلدة، ولكن حتى الآن، هناك غياب لاستراتيجية مجتمعية وطنية وكفاحية لفك أي ارتباط مع الإسرائيلين في العلن أو في السر، ففي ظل غياب النشاط الوطني، كما في الانتفاضة الأولى، واستبدال دور بعض القوى واختزالها بالسلطة والاتفاقيات والتطبيع والاقتصاد الحر والتبعية الاقتصادية، تصبح التحديات أصعب، وتحتاج لجهد أكبر من أجل التوعية وتوضيح مخاطر ما يجري في المناطق التي تسمى "ج".
مدير دائرة المطابقة الفنية في وزارة الاقتصاد، عبد الغني سلامة، أكد للحدث أنه وبالرغم مما يقال، إلا أن السلطة الفلسطينية تدعم وتشجع المواطنين على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وهو موقف معلن وواضح، ذلك لأن المواطن، خلافاً للحكومة، غير مقيد بأي اتفاق أو بروتوكول، هو حر نفسه ويستطيع أن يستهلك ما يشاء ويقاطع من يشاء، وتعتبر السلطة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية موقفاً وطنياً والتزاماً أخلاقياً، وهو أيضاً ضرورة وطنية لتحرير الاقتصاد الفلسطيني، ذلك لأن المقاطعة ستؤدي إلى تقوية وتدعيم المنتج الوطني، وتقوية الصناعات الوطنية، وبالتالي النهوض بالاقتصاد الفلسطيني والمساهمة في حل مشكلة البطالة، لكن القانون الفلسطيني لا يمنع استهلاك المنتجات الإسرائيلية، طالما أنها خاضعة للشروط والقوانين والمواصفات القياسية.
أما الموقف الثاني، والذي هو في غاية الوضوح، فهو حظر وتجريم أي شكل من أشكال التعاطي مع منتجات وخدمات المستوطنات الإسرائيلية، والقانون الصادر بتوقيع الرئيس محمود عباس بتاريخ 27-4-2010 وضع لائحة عقوبات مشددة لكل من يتعامل مع منتجات المستوطنات، سواء بالبيع أو الشراء أو التخزين أو النقل أو التعاون، وهناك سياسة وإجراءات متبعة يجري تنفيذها من العام 2010 باتجاه تنظيف السوق الفلسطيني من كافة منتجات المستوطنات، حيث أن هناك عشرات المفتشين، الذين يقومون بحملات تفتيش يومية لضمان خلو السوق الفلسطينية من منتجات المستوطنات.
أما موقف فتح فهو معلن عبر قراراتها وبياناتها، ومنها قرارات آخر مؤتمر حركي عقد في بيت لحم 2009، المؤتمر السادس، الذي اعتبر أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية استراتيجية وطنية تتبناها حركة فتح بالكامل، وتشجع المواطنين عليها، وتعمل من أجلها بشكل رسمي، وهذا أيضاً موقف كافة الفصائل الوطنية والإسلامية، وموقف المنظمات الأهلية وكافة المؤسسات الفلسطينية، وما نشاهده اليوم من نجاحات مهمة جداً وتغيير ملحوظ في سلوك المستهلك الفلسطيني، وأيضاً التاجر الفلسطيني باتجاه مقاطعة البضائع الإسرائيلية، هو نتاج لنضالات النشطاء من فتح ومن بقية التنظيمات والحركات والجمعيات الأهلية.