الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كلمة السر

2014-05-13 00:00:00
كلمة السر
صورة ارشيفية

من النافذة

الحدث - عبد الفتاح القلقيلي

في العدد السابق (13) من جريدتنا هذه، كتب نبيل عمرو عن الدورة 26 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي انعقدت يوم السبت 26/4/2014 في رام الله. وما جلب انتباهي في ما كتبه نبيل عمرو أن أحد أعضاء المجلس الذي لم يُلقِ خطاباً في تلك الجلسة قال له: “إن الخطابات التي ألقيت حملت مطالب لا يقوى على تنفيذها تحالف أوروبا وروسيا والصين”، واعتبر أن هذه الحالة كشفت “كلمة السر” في الخطاب الفلسطيني.

وبما أن العصر الحالي هو عصر الإلكترونيات، من “إيميلات” و”فيس بوك” وغيرها، وبما أن لكل موقع “كلمة سر”، سأطل من نافذتي هذه على كلمة السر في الخطاب السياسي الفلسطيني التي أشار لها عضو المجلس المركزي، ولم يشرحها لنا.

وكان يجلس إلى جانبي في نافذتي أحد أصدقائي “اللئام”، فقلت له: كلمة السر هي “بدون جديّة”. قال صديقي: زدني علماً!! قلت: دعني بداية أسرد لك قصة من الأدب العربي القديم: يُحكى أن شاعراً أعدّ قصيدة في مدح الأمير، وكان في كل بيت يمدح الأمير مدحاً مبالغاً فيه، مثل:

ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ      فاحكم فأنت الواحد القهّارُ

وكان الأمير كلما قال الشاعرُ بيتاً من هذا النوع صاح بأمين خزانة الإمارة: أعطه ألف دينار!! 

وكان الشاعر كلما سمع مثل هذا القول تحمرّ أذناه فرحاً، ويركع امتناناً للأمير.

وبعد أن انتهت القصيدة وخرج الشاعر من الديوان، قال أمين خزانة الإمارة: أصلح الله الأمير، هكذا تكون قد أفرغت الخزانة من أجل قصيدة!!!

صاح الأميرُ بأمين الخزانة: ويحك!! هل كنت ستعطيه المبلغ الذي أمرتُ به؟!

قال أمين الخزانة: أصلح الله الأمير! أليست تلك أوامرك وإرادتك؟!

قال الأمير: أيها المغفل! لقد تبادلتُ معه البضائع: أرضانا بما لا يعنيه، فأرضيناه بما لا نعنيه... فهل صحيح أنني الواحد القهّار؟! وهل صحيح أن الأمور تسير كما أشاء لا كما تشاء الأقدار؟! هو يعرف، وأنت تعرف، وأنا أعرف أن هذا غير صحيح، وأنه لا يعنيه، وكل ما يعنيه هو رضائي...

قال أمين الخزانة: أصلح الله الأمير! وماذا سأقول للشاعر إذا جاء يطلب ما يعتقد أنه حقه؟

قال الأمير: قل له انتظر حتى يصبح الأمير كما قلتَ له، وعندئذ سأعطيك ما قال لك...

وما أن أنهيت قصتي حتى قال صديقي: الشيء بالشيء يذكر، لقد قرأتُ قصة لأمير يختلف تماماً عن أميرك، كان أميري عاقلاً وجاداً، رغم أنه ملتزم بمقتضيات الإمارة (أو ما يطلق عليه بمصطلحات العصر “استحقاقات” الإمارة)، كاستضافة الشعراء والاستماع إلى قصائدهم.

وذات يوم جاءه شاعر، فمدحه، وبالغ في مدحه، وبعد أن أنهى القصيدة قال الأمير:

يا هذا!! والله إني أقلّ مما قلتَ، ولكني أكثر مما تعتقد!! 

ثم تنحنج صديقي وقال: عد بنا إلى الجدية.

قلت: نحت المفكر السوري ياسين الحافظ (رحمه الله) مصطلح “الوعي المطابق”، ويقصد به ذلك الوعي الذي يعي الواقع لا كما نرغب أن يكون، بل كما هو، عارياً من المحسّنات والمشوّهات الملقاة عليه، سواء كان ذلك عفواً أو عن قصد، وسواء كان ذلك القصد بنية حسنة أو بنية سيئة، وأولى مخرجات ذلك الوعي هي عدم التوقّع من الوضع أكثر مما يعطي، وبذلك يُتجنّب الإحباط. وتعليقاً على الذين يصيحون: “هذا وضع غير طبيعي”، قال المفكر المغربي محمد عابد الجابري: بل هو وضع طبيعي، لأن الوضع يكون غير طبيعي فقط إذا كانت النتائج عكس المقدمات.

 وقد قال أحد الجديين في دعائه: “اللهم أرني الممكن ممكناً وارزقني القدرة على تنفيذه، وأرني المستحيل مستحيلاً، وارزفني القدرة على تحمله”.