الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجدار... صمت المواجهة وطابور الاسترزاق

2014-10-14 12:40:55 AM
 الجدار... صمت المواجهة وطابور الاسترزاق
صورة ارشيفية

الحدث- تحقيق محمود الفطافطة
في حزيران من العام 2002، بدأت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري، منطلقة من شمال الضفة الغربية صوب الوسط والجنوب، لتعزل بفعل هذا الجدار، الممتد بطول 810 كم، 46% من أراضي الضفة، وتقسيمها إلى ثلاثة كانتونات كبيرة، فضلاً عن تخصيص شبكة طرق للإسرائيليين بطول 1400 كم، يفصلها عن شبكة الطرق الفلسطينية 48 نفقاً، علاوة على إقامة 34 حاجزاً تتحكم في السكان والبضائع وتعزيز السيطرة على 85% من مصادر المياه، عدا عن سلخ القدس عن الضفة وتكثيف المشروع الاستيطاني لتهويدها والتخلص من العدد الأكبر من سكانها الأصليين.
وبعد 12 سنة من تمدد هذا "الأفعى الإسرائيلي" الذي يحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ويتحكم بمصير الشعب الفلسطيني ومستقبله وعلاقاته ولقمة عيشه. أوشك هذا الثعبان على "الاستراحة" بعد أن اقترب من اكتمال مهمته في بناء هذا الجدار الذي تباطأ أو تواطأ الجميع في منع إقامته أو تعطيل إيقافه.
 
قصة هذا الجدار طويلة وشائكة، يكتنفها بعض الغموض والجدل نظراً لتشابك الأطراف ذات الصلة به، فإسرائيل التي بنته ادعت أنه مجرد "سياج " لحماية أمنها المصطنع، أما الغرب الصامت والمتواطئ على ما يحل بالفلسطينيين من قتل وتدمير وتشريد يتعاطى مع هذا الادعاء الواهن، أما الفلسطينيون فبعضهم قاومه بإخلاص والبعض الآخر رأى فيه مشروعاً لاستدرار أموال المانحين، أما العرب فقادتهم مشغلون بتخمة المال والاستبداد، فيما شعوبهم تتصارع على مواقد الأيديولوجيا والنزاعات الطائفية والمذهبية والحصص الوطنية.
 
في هذا التحقيق سنتناول جزئية ذات علاقة بالطرف الفلسطيني، مجسدة بدور السلطة الفلسطينية، وتحديداً الحكومة في مواجهة هذا الجدار، وكذلك دور ما يُسمى بـ"لجان مقاومة الجدار والاستيطان" في مواجهة هذا الجدار السالب للأرض والعازل للسكان. هذا التحقيق سيجيب على سؤالٍ رئيس هو: لماذا فشل الفلسطينيون في مقاومة جدار الفصل العنصري؟
 
غياب الرؤية والفاعلية
بداية، نود الإشارة إلى دراسة حديثة نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية حول "المقاومة الشعبية الفلسطينية تحت الاحتلال.. قراءة نقدية وتحليلية"، أعدها كل من ليندا طبر وعلاء العزة، إلى أن المقاومة الشعبية الفلسطينية، ومن ضمنها مقاومة الجدار والاستيطان، تواجه العديد من العقبات والتحديات، أبرزها غياب رؤية استراتيجية للعمل المقاوم سواء الشعبي منه أو المسلح، إلى جانب افتقار البيئة لوعي سياسي جديد يتلاءم مع الحالة الاستعمارية التي تعيشها فلسطين.
وتضيف الدراسة: "مع انطلاق الانتفاضة الثانية عام 2000، بدأ الإدراك بأن هيمنة خطاب السلطة الفلسطينية الذي حوّل الانتفاضة الثانية إلى أداة لتحسين شروط التفاوض بعدما قضى على الانتفاضة الأولى عبر اتفاقية أوسلو، هي السبب الأساسي في فشل إحياء المقاومة الشعبيّة. وبذلك، أصبح الواقع الفلسطينيّ محصوراً بين خيارين: إما العسكرة أو "الأَوْسَلَة"، أي إما إخضاع الفلسطينيين لسياسة العمليات العسكرية والاستشهادية كغاية بحدّ ذاتها، أو سياسة أوسلو التي أصبحت قيداً آخر لا يقل وطأة عن القيد الإسرائيلي".
وتذكر الدراسة  أن الوعي السياسي يجب أن يعمل على تجاوز الجغرافيا الكولونيالية، التي يفرضها المشروع الاستعماري، من خلال وجود إطار فكري - سياسي واستراتيجي للعمل من أجل الانفكاك عن هذا المشروع، منوهة إلى أن العنصر الأهم من أجل بناء مشروع مقاوم، هو إعادة الاعتبار إلى المشروع الوطني التحرري وتحديد أهدافه، مع بناء استراتيجيا وطنية جامعة من أجل تحقيق الأهداف، ثم تحديد آليات أو طرائق تنفيذية.
الذات فوق الوطن
وما بين الداء المجسد في غياب الرؤية الفاعلة والعلاج المتطلب لوعي سياسي وثقافي عام، تكمن إشكالية الفعل المقاوم والناجع لجدار الفصل العنصري وما يترتب عليه من أضرار تحيق بالسكان عبر بؤسهم وتشريدهم وإفقارهم، وبالأرض عبر سلبها ونهب مواردها وإقامة المستعمرات عليها.
 
وبالانطلاق نحو الآراء والمعطيات التي تجيب على مضمون سؤال هذا التحقيق، نبدأ بمنسق الهيئة الوطنية لمقاومة الجدار نعيم مرار الذي يقول: "رغم أن المقاومة ضد الجدار حققت إنجازات ملموسة في بداياتها، إلا أن سوء النية لدى البعض وتفضيل المصلحة الخاصة على الهم الوطني، ساهم في حرف مسار هذه المقاومة عن حقيقتها وفاعليتها"، مؤكداً أنه عندما فشلت إسرائيل في إيقاف مثل هذه المقاومة، بحثت عن أدوات وأيدٍ تساعدها في تشويه أو إجهاض هذا الفعل الوطني الشرعي والنقي.
ويضيف: "لا أتهم حكومة سلام فياض بالتواطؤ ضد مواجهة الجدار لكنني أقول إنه من حيث يدري أو لا يدري، عمل ضد هذه المقاومة، لا سيما أنه قام بدعم بعض "لجان المقاومة" غير الفاعلة دون أن يفي بوعدٍ قطعه في اجتماع مع كافة اللجان في أن يدعم اللجان الفاعلة والمخلصة في هذا الإطار". وبين مرار أن هناك ثلاثة أطراف مقصرة في مواجهة الجدار، تتمثل في أداء الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وتحديداً حكومة فياض، إلى جانب ضعف وعجز فاعلية القوى الوطنية والإسلامية، علاوة على الخطابات الشعاراتية لمؤسسات المجتمع المدني وابتعادها عن الفعل الملتزم أو المواجهة المخلصة.
"دكان NGOs"
من جانبه يؤكد منسق لجنة مواجهة الجدار في منطقة بيت لحم، حسن بريجية أنه تم تفريغ هذه المقاومة من روحها ووهجها، ولا يوجد لديها هدف أو بعد سياسي، وغدت مجرد استعراض وصورة بلا إطار فاعل ومشروع استثماري لبعض الأشخاص الذين حولوا الجدار إلى "دكان NGOs" دون أن يدركوا خطورة هذا العمل على نوعية وديمومة مواجهة هذا الجدار من جهة، أو على واقع ومستقبل الوطن وتحريره من جهة أخرى. ويبين أن لدى بعض اللجان والأشخاص الكثير من الفساد والاسترزاق القائم على حساب الوطن وأرضه، مشيراً إلى أن هم البعض هو الربح والخسارة لمؤسسته، أكثر من العمل للمقاومة وإعطائها بعداً سياسياً.
ويذكر بريجية أن مقاومة الجدار أصبحت في أوروبا، حيث أن بعض الأشخاص يقضي أياماً طوال في دول أوروبا وسواها بحجة الترويج لتلك المقاومة وتجنيد المناصرين لها أو تحشيد الرأي العام لدعمها، كاشفاً أن هؤلاء الذين يسافرون ما بين أربع إلى خمس مرات سنوياً، يلتقون بإسرائيليين لهم مواقف وتصريحات معارضة للحق الفلسطيني. ويبين بريجية أن عدداً من الأفراد والعائلات تحصل على رواتب ومعاشات باليورو، دون أن يكون لها أثر أو تأثير في ميدان المواجهة.
وفي السياق ذاته يقول مسؤول ملف الاستيطان ومقاومة الجدار في شمال الضفة غسان دغلس، إن المال السياسي والتمويل الأجنبي قد أفسد مقاومة الجدار، متطرقاً في هذا الخصوص إلى دعم حكومة فياض بعض لجان المقاومة بمبلغ 50 ألف شيقل شهرياً منذ العام 2007، ومنوهاً إلى أن الفساد قد نخر بعض الجهات التي ليس لها سوى مصالحها الذاتية الضيقة، وأنه لم يحصل على أي مبلغ رغم مواصلته ورفاقه العمل النشط والدائم في شمال الضفة.
وندد دغلس بأولئك الذين ينافقون في قولهم وفعلهم، حيث أنهم يسعون إلى تسويق أنفسهم إعلامياً ووطنياً دون أن يكون لهم نصيب في الفعل المقاوم للجدار، مقللاً في هذا الخصوص من شأن مشاركة  المتضامنين الأجانب والإسرائيليين ممن يسمون باليسار، وذلك لضعف أثرهم، ومندداً بموسمية أو "أسبوعية" فعاليات مواجهة الجدار التي أصبحت فاترة وكأنها مبرمجة، وبالتالي أصبح أثرها ضعيف وهش. وانتقد دغلس عدم اهتمام السلطة ومتابعتها لقرار محكمة العدل الدولية في 9 يوليو2004  الاستشاري، والذي يقضي بعدم شرعية الجدار، موضحاً: "رغم أن هذا القرار غير ملزم لإسرائيل إلا أن أهميته الرمزية والمعنوية قد تساعد الفلسطينيين والأطراف المعارضة لبناء الجدار على ممارسة المزيد من الضغط السياسي على إسرائيل لتفكيك الجدار".
لا اتهام بدون وثائق
إلى ذلك، يطالب الناشط في مقاومة الجدار عبد الله أبو رحمة كل من يشكك في أية لجنة أو أي فرد مالياً، أن يتجه، حاملاً وثائق ومستندات، إلى هيئة مكافحة الفساد، مشدداً على أهمية الحرص والحذر في إطلاق أي إشاعات من شأنها أن تسيء لأمانة الغير، وأكد أن مثل هذه الإشاعات هدفها إضعاف المقاومة، وبالتالي يصب الأمر في خدمة الاحتلال وسعيه الدائم إلى تفريغ تلك المقاومة من مضمونها الحقيقي والنقي.
وللرد على هكذا قول، فإننا حصلنا على عدد كبير من الشيكات المصدرة لأشخاص من عائلة واحدة بعيداً عن الشفافية والنزاهة المالية، حيث أن هؤلاء الأشخاص لا يشكلون أثراُ وتأثيراً ملموسين في ميدان مواجهة الجدار، ولا يمثلون دوراً هاماً في لجان المقاومة المتعلقة بجدار الفصل العنصري.
من جهته يذكر بشير التميمي، أحد نشطاء مقاومة الجدار في منطقة رام الله أنه لا توجد استراتيجية واضحة وصريحة لمقاومة مثل هذا الجدار، مشيراً إلى أن السلطة وقوى منظمة التحرير والأحزاب الإسلامية والمجتمع المدني، مقصرون في هذه المقاومة، وأن هدفهم تسويق برامجهم ونشر صور وأخبار لهم في الإعلام. واعترف التميمي أنه التقى لمرة واحدة مع ضباط في الإدارة المدنية الإسرائيلية لمناقشة واقع مسار الجدار في منطقة النبي صالح دون أن يُسفر اللقاء عن شيء، لأن الاحتلال، حسب قوله، لا يريد سوى شرعنة هذا الجدار والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية.
لا دعم دون وحدة !
وانطلاقاً من كل ما ذكر سابقاً، التقينا بمسؤول ملف الجدار والاستيطان السابق وليد عساف لتوضيح بعض النقاط والرد عليها، حيث أشار  إلى أن هذا الملف هُمش في السابق وأن رئيس الوزراء الحالي، رامي الحمد، يعمل على إعادة الاعتبار له، مؤكداً أن مقاومة الجدار تعاني من إشكالية تعدد المرجعيات وتضاربها، وفي هذا الشأن يبين: "اجتمعت أكثر من سبع مرات مع معظم القائمين على لجان مقاومة الجدار وأكدت لهم ضرورة توحيد تلك المرجعيات وتفعيل نشاطها، إلا أن لكل واحد برنامجه الخاص".
ويذكر عساف أنه لا يمكن أن تخلص النوايا وتتحقق عملية مقاومة الجدار بفاعلية واستمرارية في ظل وجود مصالح متضاربة تولي مصلحة المؤسسة والشخص أهمية على الوطن وقضاياه،  مبيناً أنه لا يمكن دعم هذه اللجان مالياً طالما هي غير موحدة ومتناثرة، ومشدداً في الإطار ذاته على ضرورة وضع استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة الجدار والاستيطان.
جدير بالذكر هنا أننا قمنا بإرسال رسالة مكتوبة بواسطة البريد الالكتروني لرئيس الوزراء السابق د. سلام فياض تطالبه بضرورة الرد على بعض الاستفسارات والملاحظات التي ذُكرت في التقرير، ولها علاقة مباشرة به.  وبعد انتظار أسبوعين لم نحصل منه على الرد، وهذا ما دفعنا بالاتصال مع مدير مكتبه للاستفسار عن رده السلبي، ليجيبنا: "الدكتور سلام يبرق لكم تحياته ويعتذر عن عدم الرد"، دون أن يذكر سبباً مقنعاً أو منطقياً.