السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"مفاهيم سياسيَّة ليسَ لها واقع... !! ". بقلم: رائد دحبور.

2014-10-14 03:34:42 AM
صورة ارشيفية

 روى في الفكر والسياسية

عَبْرَ عقودٍ طويلةٍ من الزَّمن لم تسترحْ شعوب منطقتنا من العيشِ في بيئةِ ومناخات الصِّراعات والنِّزاعات  والإضطرابات السياسيَّة والإجتماعيَّة- والشَّعب الفلسطيني تحديداً من بينها – بل إنَّ حركة الأحداث في المنطقة كانت على الدَّوام تنداحُ على صفيحٍ ساخِنٍ تكفي شرارةً واحدة أو بضع شرارات لإشعالِ أوارِ حروبها الإقليميَّة والبينيَّة والإثنيَّة والأهليَّة؛ وحتَّى الدَّوليَّة !!. فأينَ مفاهيم القانون الدَّولي ومسؤوليَّات المجتمع الدَّولي والمؤسَّسات الدَّوليَّة؛ ومؤسَّسات الأمم المتَّحدة؛ وحتَّى مفاهيم الإستقلال الوطني؛ والإستقرار والسَّلام والتنميَة والتَّعاون والتَّكامل؛ التي ملأت أسماع ودنيا النَّاس، من كلِّ ذلك ؟!.

ها هي المنطقة تدخل عنق الزُّجاجة مرَّةً تلو مرَّة - وبشكلٍ مقصود - تارةً على هامش الصِّراع العربي الإسرائيلي الَّذي ذابَ في ظلال سياسات التَّوافق الإقليمي الضَّارَّة وغير الهادفة باستثناءِ خدمة المصالح والحسابات الضَّيِّقة، وعلى هامش القضيَّة الفلسطينيَّة التي أزمَنَتْ بلا أيِّ حلٍّ واقعيٍّ يلوح في الأفق - مع العلم أنَّها أعدل قضِيَّة تاريخيَّة وإنسانيَّة وسياسيَّة وحقوقيَّة ربما على مساحة مساقات التَّاريخ الإنساني برمَّته -؛ وتارةً على هامشِ الصِّراعات الحدوديَّة، والأزمات الإقتصاديَّة والإجتماعيَّة؛ وتارةً على هامش تضارب المصالح الإقليميَّة والدَّوليَّة على المستويات الجيوسياسيَّة والإستراتيجيَّة، وعلى مستوياتٍ تتعلَّق بالثَّروات وبمستقبل مصادر الطَّاقة من نفطٍ وغاز؛ وبمستوى التقاسم والتَّحاصّ أو الإستئثار بمصادر تلك الطَّاقة وبطرق وجغرافيَّة مسالك إمداداتها ومصبَّاتها واستثمارها؛ من قبل القوى الغربيَّة الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.

إزاءَ كلّ ذلك لا نجد لتلك المفاهيم السِّياسيَّة والحقوقيَّة والتي تطفوا على شكلِ كلماتٍ منمَّقة على ألسنَةِ مُمَثِّلي الدُّبلوماسيَّات الدَّوليَّة؛ وتملأ فضاءَات وسائل الإعلام وأفنية المؤتمرات الصحفيَّة الرَّصينة أيَّ واقعٍ فعلي مُعاش ومُستدام. بل على العكس إنَّ ما نراهُ من مفاهيم سياسيَّة لها واقع في المنطقة؛ هي تلك المفاهيم المتَّصِلة بواقع الحروب والنِّزاعات؛ والنَّزيف المستَمِر لدماءِ وثروات أبناء منطقتنا العربيَّة والشَّرق أوسطيَّة. إنَّ المفاهيم التي لها واقع - في منطقتنا - هي تلك المتعلِّقة بأشكالِ خرق القانون الدَّولي وبعمقِ تلك الإختراقات؛ وبعدمِ احترام إنسانيَّة شعوب هذه المنطقة !!.

ها هي الحرب - الإستعراضيَّة - التي تجري في العراق وسوريا تحت عنوان محاربة الإرهاب؛ والَّتي يُرادُ لها - وبحسبِ توقُّعات المصادر الغربيَّة - أنْ تستمر لثلاثين عاماً قادمات؛ مع العلمِ أنَّها تُعتبَرُ فرصةً ذهبيَّة لازدهار تجارة السِّلاح؛ فكلَّما طال أمدها كان أفضل بالنِّسبةِ للقوى المستفيدة من ذلك؛ وكذلك هي فرصة تفتحُ الباب على مصراعيه لمشاريع التدمير الذَّاتي والتَّشظِّي لمجتمعات المنطقة؛ وما التَّدَخُل والحضور الأجنبي إلَّا لتحقيق ثلاثة أهداف، هي: أوَّلاً: خلط الأوراق في المنطقة بمزيدٍ من الإستقطابات المذهبيَّة وبمزيدٍ من تخبُّط الخيارات وضياع الاولويَّات. وثانيَاً: تأمين وحماية مصادر ومسالك وممرَّات إمدادات الطَّاقة. وثالثاً: الحؤول دون قيام تحالفات إقليميَّة ودوليَّة حقيقيَّة منشأها المنطقة - بعيداً عن الهيمنة الأطلسيَّة - في مواجهة ظواهر التَّكفير الأعمى والإرهاب المجنون؛ وكأنَّما ما يجري واقعيَّاً هو فقط يشبه توجيه هذه النِّيران المشتعلة بالرُّموت كونترول؛ وحصرها ضمن دائرة هدَفٍ واحدٍ هو تدمير ما تبقَّى من إمكانات الشَّراكة الحضاريَّة والوجدانيَّة بين شعوب هذه المنطقة التي أساسها التَّاريخ والجغرافيا والهويَّة الوجدانيَّة المشتركة !!. وبالإجمال فإنَّ هذا المفهوم الَّذي يُسمَّى بمحاربة الإرهاب هو الآخر ليس له واقع إلَّا من زاوية الإستخدام والإستثمار في سبيل تحقيق أهداف القوى الكبرى التي استحدثت جملة المفاهيم السِّياسيَّة ولم تلتزم بأيٍّ منها إلَّا في حدودِ استخدامها ظاهريَّاً لغايات خياراتها وسياساتها؛ وإلَّا ضمن فضاءَاتِ مصالحها التكتيكيَّة والإستراتيجيَّ !! وإذْ ذاك فإنَّنا قد نجد أنَّ أكثر التعبيرات التي   لها واقع في مجريات السِّياسيَّة الدَّوليَّة في منطقتنا هي: النِّفاق الدَّولي!!.