الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إشارة : هل سنحرق السفن ؟ / بقلم:محمد شريم

2017-01-18 09:39:27 AM
إشارة : هل سنحرق السفن ؟ / بقلم:محمد شريم
محمد شريم

 

 

ما هي إلا أيام تلك المدة التي تفصلنا عن اليوم الموعود، وهو الذي يقضّ مضاجع الكثير من زعماء المنطقة العربية وكبرائها، وأولهم الأصدقاء المقربون على الدوام من الحمار الأمريكي وشقيقه الفيل، ولكنهم هذه المرة ـ كما لم يكونوا من قبل ـ يتخوفون من وطأة الفيل الذي يلوّح بخرطومه للعرب من شر اقترب وهو يحمل الرئيس المنتخب ترامب إلى البيت الأبيض.

 

ونحن كفلسطينيين ، نحتاج إلى مقياس دقيق لنستطيع التمييز بين السيء والأسوأ منهما، أي بين الحمار والفيل، فكم من المرات قد أشبع الأول قضيتنا رفساً، وكم من الأوقات قد تناولها الثاني بخرطومه الطويل ليضرب بها الأرض.


ولكن ما يميز هذه الجولة مع الفيل الأمريكي ـ والذي هو رمز الحزب الجمهوري كما تعلمون ـ أن القادم على ظهره إلى البيت الأبيض هو أقرب إلى حلبة المصارعة منه إلى ميدان السياسة ، ولذلك بدأ يلوح بعصاه الغليظة قبل أن يتربع على مقعده الوثير، ومن جملة التلويحات تلك التصريحات التي وعد فيها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والذي يعتبر اعترافاً ـ صريحاً ـ بضم القدس إلى ( إسرائيل ).

 

واستباقاً لخطوة كهذه، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أخباراً عن نية رسمية فلسطينية، بأن تسحب منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بـ ( إسرائيل ) إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ نقل السفارة، وهو الأمر الذي سبق لأمريكا أن اتخذت قراراً بشأنه عام 1995، ولكن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين يوقعون على مراسيم بتأجيل التنفيذ .

 

ولكن ما الذي يكون عليه الحال، لو نفذ ترامب نيته، وأقدمت منظمة التحرير على هذه الخطوة، وسحبت اعترافها بـ ( إسرائيل ) الذي حصلت عليه الأخيرة في اتفاقية أوسلو ؟

 

أعتقد أننا سوف نكون أمام ثلاثة احتمالات:

 

الاحتمال الأول: هو سحب الاعتراف الفلسطيني الرسمي بـ ( إسرائيل )، والعودة إلى الحالة التي كنا عليها قبل اتفاقية أوسلو ( أي الحالة الثورية )، وذلك لا يعني بالضرورة الإقدام التلقائي على حل السلطة من قبل أصحاب القرار في الجانب الفلسطيني .

 

الاحتمال الثاني: هو أن يتم سحب الاعتراف اسمياً ـ أو لفظياً فقط ـ كبادرة احتجاج عابرة، ويستقبلها الطرف الآخر بالكثير من التذمّر والقليل من ( التعقّل )، فلا يركب رأسه باتخاذ خطوات لا تحسب عقباها، وهذا يعني أن كلاً من الطرفين يفضل المحافظة على الوضع القائم، فالطرف الفلسطيني يبرر ذلك بالمحافظة على ( المشروع الوطني ) المتعثّر، أو ما تبقى منه، والطرف الآخر يلجأ إلى كظم غيظه للمحافظة على ما حصل عليه في ( أوسلو ) وما بعدها من المكاسب .

 

الاحتمال الثالث: أن يقوم الجانب الفلسطيني بسحب الاعتراف بـ ( إسرائيل )، فتردّ على ذلك بالإعلان عن إجراءات ضد مناطق المدن الفلسطينية ( مناطق أ )، وقد يرافق ذلك إلغاء بعض الصلاحيات التي حولت للسلطة وبعض الامتيازات التي يتمتع بها بعض المسؤولين فيها.

 

فإذا سارت الأمور باتجاه الاحتمالين الأخيرين، فإن الأوضاع تكون ما زالت من الناحية العملية تحت سقف ( أوسلو )، وخاصة أن سحب الاعتراف لا يتم إلا بعد المصادقة عليه من المجلس الوطني الفلسطيني، والذي يحتاج إلى وقت لانعقاده تحدده ضرورة استكمال الإجراءات ، وهذا ما يعطي الفرصة لكلا الطرفين للعب في المنطقة الرمادية الواقعة بين الاعتراف وسحب الاعتراف ، قبل انعقاد المؤتمر، وهو الأمر الذي يتيح الفرصة أمام ( الوسطاء ) من عرب وعجم للتهدئة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل معركة ( سحب الاعتراف )، وعلى الأغلب دون التطرق إلى الموضوع الذي أشعل عود الثقاب، من الأساس، وهو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي يصبح مع تتابع الأحداث نسياً منسياً !

 

أما إذا سارت الأمور باتجاه الاحتمال الأول، وهو سحب الاعتراف والعودة إلى ما كنا عليه قبل ( أوسلو )، فإن ذلك يذكرنا بما فعله القائد طارق بن زياد عندما أحرق سفنه على أبواب الأندلس، حتى يقطع على نفسه وعلى جيشه طريق العودة، فهل سنحرق نحن سفننا ؟