في ظل مرور سنوات عجاف سابقة سيئة إقتصادياً على المواطن الأردني؛ مرّت عليه لتكتمل معه فصول حياته المادية المتدهورة وإنحصار الطبقة المتوسطة وشبه إندثارها (بعد سنوات) لمصلحة الطبقة الفقيرة بعد أن كانت سابقاً وحسب بعض الدراسات المستقلة عن ضغوط الحكومة وقبل حوالي 10 سنوات بالأرقام التالية: الطبقة البرجوازية بين 10%-15%، بينما الطبقة الوسطى بين 45%-50%، والطبقة الفقيرة بين 40%-50%، ومع مرور سنوات صعبة ومؤلمة على المواطن فإن تقديراتي بأن النسب قد تغيرت لتصبح من وجهة نظري على التوالي تقريبياً (15%، 30%، 65%).
هذا الوضع الإقتصادي الذي يمر به المواطن الأردني له أسباب عديدة لن أخوض في ذكرها بهذا المقال ولكن وللأمانة فإن سياسات الحكومات المتعاقبة تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا التدهور المالي والنفسي للمواطن الأردني، فقد زادت نسبة الفقر، وإرتفعت نسب البطالة بين الأردنيين، نمو إقتصادي بطيء ليس له أثر على الواقع، إنحدار في القيم المجتمعية والأخلاقية أدت لولادة قضايا خطيرة عديدة في مجتمع شرقي محافظ، تفكك الروابط الأسرية والعائلية والعشائرية، فقدان الثقة بالتغيير من قبل الدولة لما هو أفضل لمصلحة المواطن، إستنزاف لجيوب المواطنين بالضرائب المستمرة والإستهتار والتناسي لحل قضايا الفساد وإسترجاع الأموال المنهوبة، عدم وجود ولاء حقيقي للوطن وإنما الولاء للدينار، تدهور مستمر منذ سنوات في الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها والمقدمة للمواطن الأردني لأسباب عديدة منها العجز المالي للدولة، وهجرة العقول بإتجاه دول تُقدرهم مادياً وإنسانياً تُلبي -على الأقل- أولى الإحتياجات الأساسية للبشر.
أصبحت الأردن كمحطة مرور المسافرين (الترانزيت) لبعض المواطنين وللعديد من الجنسيات الأخرى، فيستقر فيها بعض الوقت ومن ثَمّ يبحث عن طريقه للهجرة لأي دولة تحتضنه وتُؤمِّن له الأساسيات الطبيعية التي تجعله مواطن محترم من الدرجة الأولى يعيش بكرامة، أصبح طموح المواطن الأردني وغيره ممن يعيش على أرض المملكة هو فقط الخروج من هذا الإنهيار المأساوي المالي له، الأغلبية تبحث عن عقد عمل خارجي، نسبة عالية تبحث عن طريقة للجوء لدول كثيرة وخاصة الأوروبية، العديد يبحث عن أوراق تؤهله لطلب الهجرة المشروعة، فالبعض من الأصول الفلسطينية والسورية والمصرية والعراقية والمغربية والروسية وغيرهم، وحتى ممن يحملون الجنسية السعودية، بدأوا بالبحث في الماضي وإخراج أوراق تُرجعهم لأصول أجدادهم لتسهيل أمور مغادرتهم المشروعة من حدود المملكة بإتجاه بلدان أخرى، فكنا نسمع عن الهجرة واللجوء إلى أمريكا وأوروبا وكندا وأستراليا، والآن أصبح العديد منهم يلجأ لدول لم نتوقع في يوم من الأيام أن تصبح ملاذاً للفارين من الحروب العسكرية والإقتصادية، كدول شرق آسيوية، دول أفريقية، دول جنوب أمريكية، كلها أصبحت هدفاً مشروعاً للعديد من الشباب الأردني والعربي المحبط نفسياً بسبب الظروف الإقتصادية والعسكرية الحربية في بعض الدول.
حوالات المغتربين من الخارج تمثل نسبة تقارب 12% من دخل المملكة الأردنية، وبالتأكيد مع تزايد الهجرة وإرتفاع أعداد أصحاب العقول الخارجة للعمل في دول أخرى، فإن هذه النسبة ستزداد لمصلحة الدولة والمواطن على حد سواء، ولكن الملاحظ أن العديد من أرباب الأسر أصبحوا يفكرون بإستقدام عائلاتهم لبلاد الغربة التي يُقيمون فيها، وبالتالي في المستقبل سينعكس ذلك سلبياً على الدولة ولن يستفيد الأردن منهم، كما أن العديد منهم وخاصة تلك الثروة العقلية والعملية البشرية التي يتميز بها الأردن ستُستثمر في الوطن المُحتضن لهم دون الإستفادة منهم داخلياً، فالكثير منهم يذهب ولا يعود إلا وقد إشتعل الشيب في رأسه وهو بعمر -بناءً على قوانين المملكة- قد تجاوز العمر الذي يؤهله لخدمة وطنه الأم، إذاً حتى تلك الثروة الوحيدة التي يملكها الأردن والغير مضمحلة سيفقدها في يوم من الأيام ونصبح دولة مستوردة للعقول كما في بعض الدول المجاورة.
بالنهاية هذا التضخم وغلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار والتدني في الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وقلة فرص العمل المتاحة على المستويين الخاص والحكومي، والإنخفاض في الإستثمارات من الخارج، جعلت هناك فرص كبيرة طبيعية وحقيقية بسبب كل الظروف "لعملية إحلال الأردني" بجنسيات أخرى، فعلاً أصبحت أمر واقعي يشاهده الجميع والسبب الرئيسي سياسات الحكومات المتعاقبة، فالدولة الأردنية عليها مسؤوليات إجتماعية وأخلاقية وإقتصادية تجاه هذا المواطن الأردني دافع الضرائب القهرية المستمرة.