الحدث - أحمد زكارنة
وفق العديد من المدارس القانونية، توصف القاعدة القانونية بأنها قاعدة سلوك اجتماعية، ذلك لأن الحاجة إليها لا تنشأ إلا في المجتمع. ولذا فإن القانون في نشوئه وتطوره استجاب لظرفي الزمان والمكان، إضافة إلى الحاجات الاجتماعية، ولما كانت هذه الظروف والحاجات تختلف من مجتمع إلى آخر، أصبح لكل مجتمع قانون وضعي خاص به.
وعليه فقواعد القانون تتضمن خطاباً تتوجه به إلى أفراد المجتمع، ليس على سبيل النصح والإرشاد وإنما على سبيل الأمر والتكليف، وهي بهذا القانون أو ذاك تكلف الناس باتباعه دون أن تعطي للأفراد حرية مخالفته، وهو تكليف مطلق لا يترك للمكلف الخيار بين الطاعة أو الرفض.
بناء على ما تقدم،لم أفهم تماماً وفق أي الأسس الإنسانية، أو الصيغ القانونية، يذهب قاض إلى تأجيل النظر في قضية اعتداء، الجريمة فيها تكاد تكون واضحة المعالم، كتلك التي وقعت في مدينة الملاهي «الميجالاند»؟ سؤال يجرنا بلا شك إلى عديد الأسئلة الشائكة والمشروعة في آن، إذ أن الإشكال الحقيقي المؤدي إلى ارتفاع نسبة الجريمة في بلادنا، والتي وصلت حد الاستهتار بحياة الناس، إنما بات واضحاً أنه إشكال قانوني من حيث الشكل والجوهر. وما قضية اعتداء رجال أمن مدينة «الميجالاند» الأخيرة على أسرة بكاملها من مدينة بيت لحم إلا نموذجاً صارخاً لمكمن الخلل الذي باتت معالجته أمراً لا مفر منه.
نعم هناك حالات قتل مروعة وقعت خلال هذا الشهر وما قبله، ولكن حشرجة صوت ودموع الطفلة «نغم» كانت لربما الأكثر اتهاماً للمجتمع برمته، لما صدمها من هلع وخوف أظنهما سيبقيان معها ردحاً من الزمن، وهي ترى بأم أعينها تفاصيل اعتداء آخرين على كامل عائلتها من رجال ونساء وأطفال، بوحشية، إن دلت، فهي تدل على غياب النخوة والرجولة فيما تبقى منا في هذا الوطن المكلوم.
من سيُرجع البسمة لروح هذه الطفلة كي تعود لتزهو بالأمل والحياة؟ هل تُراه تصريح الأمانة العامة لمجلس الوزراء الذي جاء فارغاً من أي مضمون عملي لإيجاد الحلول المناسبة؟ أم تعليق مجلس القضاء الأعلى المنتظر، والذي قد لا يطول، ولكنه أبداً لن يتمكن من وأْدِ الخوف الذي تملّك صغارنا؟
إن ما حدث يا سادة، إنما هو جريمة في حق جيل بأكمله، جريمة نحن بصمتنا وإهمالنا وتراجع أخلاقنا وعجزنا شركاء فيها برسم كل رعشة تملّكت روح هذه الطفلة وسواها من أطفالنا. نعم شركاء حينما نبدو شيئاً كأي شيء، نتثاءب فوق أهداب الصمت، لا صوت لنا ولا فعل، لا دمَ فينا ولا خجل.