مقال رئيس التحرير
الحدث - سامي سرحان
أُطلقت في إسرائيل الصافرات في غضون الأسابيع الثلاثة الماضية ثلاث مرات، المرة الأولى في ذكرى “الكارثة- المحرقة”، ونحن كما كل العالم نتعاطف مع ضحايا الكارثة والمحرقة التي حلت باليهود على أيدي النازي وندين الفاشية والنازية التي جرّت العالم إلى ويلات حرب راح ضحيتها نحو 50 مليون انسان ودمرت أكثر من 1700 مدينة وقرية. وكان لزاماً على ألمانيا أن تعترف بجريمتها وتدفع لضحايا سياستها النازية التعويضات والمساعدات لتكفر عن خطأ ساستها وسلوكهم العنصري الفاشي. والمرةُ الثانية والثالثة أُطلقت الصافرات في ذكرى ما تُسميه إسرائيل “قتلى حروب إسرائيل وإعلان استقلالها”.
وإذا كنا نتعاطف مع ضحايا المحرقة فإن ذلك لا يُنسينا “النكبة” التي حلت بشعبنا على أيدي ضحايا النازية والفاشية. ولا يُنسينا طرد شعبنا من وطنه وتدمير 531 مدينة وقرية من مدنه وقراه ولا يُنسينا القتلى والمذابح الجماعية وحياة اللجوء في المخيمات في وطنه وفي الشتات.
نتذكرُ كما يتذكرون آلاف القتلى والعائلات الثكلى وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى، وكل ذلك لم يُحرك حتى اليوم المشاعر الإنسانية لدى قادة إسرائيل وشعب إسرائيل الذي أضطهد ومورست عليه أصناف التمييز العنصري وجرت محاولة إبادته على أساس عرقي.
كل ذلك، لم يحرك عند بنيامين نتنياهو (وهو من عائلة ثكلى) وطاقم حكومته من اليمين المتطرف مشاعر إنسانية ليقف ويراجع نفسه ويسألها لماذا يضع العصى في دواليب السلام والتعايش مع الشعب الفلسطيني في دولتين جارتين، فهل هي شهوة الحكم والبقاء على رأس حكومة اليمين أم هي تربية نشأ عليها بإنكار وجود الشعب الفلسطيني.
ذكرى أيار أليمة على الشعب الفلسطيني، فهي ذكرى نكبته وضياع وطنه وتشريده، وهي ذكرى محرقة اليهود. وإحياء ذكريات المراسم الحزينة يجب أن يكون دافعاً لتجنب تكرارها بالجنوح إلى السلام والتعايش مع الآخر، فالقوة لا تحل المشكلة، فكما لم يستطع أودلف هتلر حل المسألة اليهودية بالمحرقة والإبادة، فإن نتنياهو لا يمكنه حل المسألة الفلسطينية بتجاهل وجود الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه بمزيد من القتل والتشريد ومصادرة الأرض. وكما لهم قتلى تجاوزوا عشرة آلاف فيما يسمونه حروب استقلالهم، فإن شهداءنا تجاوزوا عشرات الآلاف وما زال لدينا العزم والإصرار على إلزام حكومة نتنياهو بالاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية المشروعة في دولة مستقلة على حدود شعبنا الوطنية المشروعة في دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية خالية من المستوطنين والمستوطنات، ولها سيادة على أرضها ومياهها ومعابرها وحدودها وأجوائها وثرواتها، واعتراف إسرائيل بحق العودة للاجئين الذين شردتهم عام النكبة والاعتراف بمسؤوليتها السياسية والأخلاقية عن النكبة.
لقد بدأ العالم الذي ساهم في إنشاء دولة إسرائيل وأوجد لليهود مأوى في فلسطين يدرك أن القيادة في إسرائيل لا يعنيها السلام مع الشعب الفلسطيني وقيادته الراغبة في سلام عادل ينهي الاحتلال الإسرائيلي من خلال برامج واقعية في إدارة الصراع والالتزام بقرارات الشرعية الدولية ما مكنها من كسب احترام وتأييد المجتمع الدولي لفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وقد بدأنا نلاحظ بوادر تغيرات في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من إسرائيل وإدانة مسؤولين مهمين في الإدارة الأمريكية لسياسة إسرائيل وموقفها من المفاوضات وإيجاد حل للصراع على أساس حل الدولتين بعد أن كان انتقاد السياسة الإسرائيلية من المحرمات في السياسة الأمريكية.
ولعل ما ساعد على هذا التحول هو وجود تيار في إسرائيل ضاق ذرعاً بتصرفات نتنياهو وفريقه الحكومي، يدفع بإسرائيل إلى عزلة دولية كدولة عنصرية، وعبر عن هذا الاتجاه بكل صراحة ووضوح رئيس دولة إسرائيل شمعون بيرس الذي صرح بأن بنيامين نتنياهو منعه من التوجه إلى عمان لتوقيع اتفاق إعلان مبادئ مع الرئيس أبو مازن قبل ثلاث سنوات. كما عبرت عن ذلك وزيرة العدل الإسرائيلية المفاوضة تسيبي ليفني التي شككت بصدق نوايا الحكومة الإسرائيلية في التوجه نحو السلام في ذكرى قتلى حروب إسرائيل إذ قالت “عندما نخرج إلى الحرب نتحدث عن حرب لا مفر منها، ولكن عندما نخرج إلى السلام لا نخرج إلى بنفس روحية الحرب.”
وعلى النقيض من ذلك فإن العالم يدرك صدق نوايا القيادة الفلسطينية في التوجه إلى السلام عبر مفاوضات جادة وليست مضيعة للوقت. ولا بأس أن يخرج مارتن انديك بأعذار واهية (المصالحة والتوجه إلى الانضمام للمنظمات الدولية) ليحمل الجانب الفلسطيني شطراً من مسؤولية فشل المفاوضات، لكنه أكد أن الاستيطان الإسرائيلي هو سبب فشل المفاوضات وسيلحق الأذى بدولة إسرائيل.
وموقف إنديك يذكرنا بموقف دنيس روس ورئيسه بيل كلينتون اللذين حملا الرئيس أبو عمار مسؤولية فشل المفاوضات في كامب ديفيد. كما تذكرنا سياسات نتنياهو بسياسة إيهود باراك في كامب ديفيد عندما طالب بالسيطرة على غور الأردن والسيادة على القدس وإنكار حق العودة وضم 10-12% من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل.
لكن ما يجب أن تدركه إسرائيل إذا كانت راغبة في السلام حقا أنه لم يعد أمام الجانب الفلسطيني ما يناور به أو يتنازل عنه بعد أن قدم التنازل التاريخي، وقبل بدولة على 22% من أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشرقة وبحق العودة للاجئين واعتراف إسرائيل بمسؤوليتها السياسية والأخلاقية عن النكبة.