الكلمات أعلاه تبدو وكأنها مقدمة لنص إعلاني أو فقرة دعائية، لكن الحقيقة أنها واقع مجمتعي، أستطيع أن أجزم إلى حدٍ ما أنه ظاهرة سلوكية مجتمعية لا أعلم إلى أي مدى يمكن قياسها بطريقة علمية على سوق العمل في فلسطين، من منطلق قياس الإنتاجية في مقابل العائد المادي وتأثيره السلوكي.
وأعتقد أنه لا يوجد صاحب عمل يصدق المتقدم لوظيفة شاغرة، لذلك يوجد نص في قانون العمل يخضع فيه الموظف لفترة تجريبية مدتها 3 شهور تجدد لـ 3 شهور إضافية، يجرب فيها الطرفان بعضهما، وفي أغلب الحالات -على ما أظن- صاحب العمل هو صاحب القرار الفصل في المضي قدما من عدمه في هذه العلاقة التعاقدية.
بطريقة أو بأخرى، وعندما كنتُ موظفةً أو بعد أن أصبحتُ ربة عمل، أستطيع أن ألحظ الفارق بين أن تكون موظفاً بذهنية "اعمل وقبل موعد انتهاء الدوام قف لختم كرت المغادرة" وبين ذهنية "اتقان العمل بغض النظر عن قصر أو طول المدة التي يحتاجها إنجاز العمل".
وأكثر ما يمكني أن أبدي ملاحظةً بشأنه هو السلوك الوظيفي للموظفين، والذي تم إفساده، تماماً مثلما تم إفسادُ الكثير من القيم والعادات والأخلاق.
عاملٌ مهم في هذا الفساد، هو سياسات التوظيف الحكومية العشوائية، التي خلقت أعداداً كبيرة من الموظفين الحكوميين، تحت بند البطالة المقنعة. فباعتراف وزارة المالية فإن القطاع الحكومي يعاني من ترهل في عدد موظفيه، ما يعني أنه لو كان نصف الرقم المعلن عن أعداد الموظفين والبالغ (155,671 الف موظف مدني وعسكري)، يعملون تحت بند البطالة المقنعة، وهو رقم فيه الكثير من التفاؤل، فهذا يعني أن التأثير السلوكي لما يقارب من 77 ألف موظف هو تأثير مضاعف بسب مبدأ تناقل أو عدوى السلوك، لتسود ثقافة "العامل العاطل" صفةً وسلوكا.
وإذا تم قياس الأمر على سنوات تأسيس السلطة منذ عام 1994، فإن الأمر يعني أن هنالك أجيالاً ترتبت على فكرة "العامل العاطل"، أي أنه بإمكانك أن تحصل على المال دون أن تعمل، أو تتعب. والقصص من حولنا كثيرة لمن تخلوا عن العمل في القطاع الخاص رغبة بالالتحاق بالعمل الحكومي، لأن العمل أقل رغم أن الراتب أيضاً أقل.
وقد انسحبت هذه الثقافة كذلك على موظفي القطاع الخاص الذين باتت سمعتهم تسوء هي الأخرى، لأن الكثيرين لا يعملون بتفانٍ إن كانت المنشأة ليست عائلية، أي إن كان يعمل أجيراً لدى طرفٍ غريبٍ، إذ على رب العمل ملاحقة العامل، أو الموظف، وفرض رقابة صارمة عليه، ليحصل على الحجم الإنتاجي المطلوب.
فلم يتم بعد غرس ثقافة المؤسسات، وثقافة العمل المؤسسي رغم السنوات الطوال التي عملنا فيها على إنشاء دولة عمادها المأسسة.
والخلاصةُ أن هذه البلاد التي نشأ فيها قطاع خاص من نوع خاص، بدأت بقطاع عام عائم، وانتهت بعامل عاطل، والنتيجةُ أنها لا يمكن أن تتحرر أو أن تصبح دولة.