أراه أكثرَ الناس غرابةً ! سلوكه مغاير لكل الذين عرفتهم .
حين حاولت استيضاح الأمر ، برّره قائلاً : كل ما في الأمر أنني أطلُّ على الحياة من نافذة أخرى غير التي تطلّون منها، وأحياناً أرى الأشياء من زاوية تختلف عن التي ترونها بعيونكم ، فألمس فيها بُعداً غير الذي تلمسونه . وللحقيقة أنا الذي أراك غريب الطباع والسلوك، وحتى لا أزعجك، لا أعلّق على الأمر!
لم أجادله في ذلك، إنّما ابتسمت له وصمتت.. فهذا هو زياد الزريعة، زياد المختلف، زياد المقلوب، وكذلك زياد المزعج!
زياد الزريعة أو ما أَطلق عليه أقرانه ، قديماً ، في حيّهم هذا اللقب ، كونه كان يأخذ زروعات والدته التي تعتني بها وتزيّن بها المنزل،ليعيد زراعتها في الأماكن العامة . وعندما سألوه عن سبب ذلك قال: بذلك يتجمّل الحيّ بأكمله، ولا يقتصر الأمر على منزلنا فقط! أيّ أنانية تلك التي تجعلكم تحيلون شرفة منازلكم إلى حديقة بينما حديقة الحيّ مقفرة ؟ حين أقف على شرفتنا فإنني أطلّ على حديقة الحيّ ، بينما لا يطلّ مَن في الحديقة على شرفتنا !
شاهدته مرّة على شاشة قناة محلّية تستضيفه للتعقيب على مسألة قانونية انشغلت بها المدينة، كان قد أنهى دراسته العليا في القانون، وعاد محاضراً في واحدة من الجامعات الكبيرة .
سمعته يومها يعلّق على رأي قضائي بقوله: إن أكثر القضاة خبرة وعلما بالقانون، هو ذلك الذي يملك القدرة على كتابة حكمين، مبرمين، متماسكي الأسانيد والأدلة، ومتناقضين في الدعوى ذاتها!
وحين عقّب مقدّم البرنامج بكلمة " جميل " أردف زياد قوله: من يملك هذه المقدرة يجب أن لا يولّى أو يجلس على منصة الحكم ساعة واحدة، إذ أنه غريم العدالة!
وشيئاً فشيئاً أخذ اسمه بالانتشار بين سكان المدينة، بآرائه وطباعه الغريبة، وتوافقت المدينة على أنه زياد المختلف.
في إحدى المرات، بينما هو جالس في منزله، قرر اختبار مقدرته على السير على يديه، فمنذ كان صغيراً وهو مواظب على تعلم فنون القتال، الكارتيه تحديداً، بَسَط كفيّه على الأرض، ورفع ساقيه إلى الأعلى، أحكَمَ توازنه، نظر إلى نفسه مقلوباً في المرآة، ابتسم وبدأ السير.
خرجَ إلى الشارع وسار باتجاه وسط المدينة، كان فرحاً بمقدرته على تحمّل ذلك الجهد، وحيث راق له الأمر، فلم تطأ قدماه الأرض منذ ذلك اليوم.
بعد أشهر سأله أحد المارة: لماذا تسير على يديك هكذا بالمقلوب ؟!
نظر إليه من الأسفل وقال: هكذا أرى الأشياء على حقيقتها!
بعد فترة مرّ بمقهى في المدينة ينتظر صديقا، وفي تلك الأثناء تابع خطاباً سياسياً بُثّ على القناة الوطنية يؤكد فيه المتحدث على أننا - أي المتكلم في الخطاب - حافظنا على الثوابت . ولمّا صفّق رواد المقهى منتشين بعد هذه العبارة الحماسية، قفز واقفاً على سطح الطاوله - على قدمية هذه المرة- صارخاً في وجوههم : منذ ستين عاماً ونحن نصفّق لحفاظنا على الثوابت، لكن متى ننجزها حتى يصير لنا متسع من الوقت نصفّق فيه لمشهد مسرحي مثير!!وراح يصرخ :
يسقط الخطاب.. يسقط التصفيق .. يسقط الخطاب.. يسقط التصفيق ..
ثم وضع إصبعيه الإبهام والسبّابة بين شفتيه بشكل دائري وصار يُطلق صفيراً عالياً يصم الآذان ، إلى أن خرج روّاد المقهى جميعا وتركوا الخطاب!
ومنذ تلك الحادثه حتى يومنا هذا، وزياد يخرج في كل احتفال تشهده المدينة من بين المحتفلين ليطلق صفيره الأجشّ والمزعج إلى أن ينفضّ الناس.. ومن يومها صار اسمه : زياد المزعج .