خاص الحدث - جميل عليان
عندما بزغ الصباح، كان الدخان مازال يتصاعد من نافذة مصلى النساء في مسجد أبو بكر الصديق ببلدة عقربا الريفية.
ووقعت جماعة كهانا على حائط المصلى الخارجي المطلي بالأبيض: "هنا كهانا، من تفوح، وهذا تدفيع الثمن"، وذلك في إشارة منهم إلى الحركة التي تصنف ضمن الحركات الإرهابية عالميا، ونشطت في سنوات مضت في ارتكاب اعتداءات دموية ضد الفلسطينيين.
وأحرقت الجماعة التي تضم يهود متطرفين ولا يعرف عدد أفرادها، المصلى في المسجد، في محاولة منها كما يبدو لإحراق مرافق المسجد كلها.
لكن هذه المرة أرادت الحركة تدفيع الثمن للفلسطينيين بعد اعتقال الشرطة الإسرائيلية لعدد من أفرادها في مستوطنة "تفوح" جنوب نابلس.
واقفين في محيط واجهات تلونت جدرانها بلون الرماد المنبعث من السجاد المحروق، قال سكان من عقربا وهي واحدة من كبريات بلدات نابلس إن: المستوطنين أشعلوا النار بالمسجد في ساعات ما قبل الفجر. وفي المرات الماضية التي أحرقت فيها ممتلكات فلسطينية، استغل المستوطنون ساعات الظلام للقيام بعملياتهم والانسحاب قبل اكتشاف أمرهم. وقد بدا أن المستوطنين تسللوا من خلال حقل زيتون يحاذي المسجد المسور بجدار أسمنتي.
وقال عبد الفتاح ديريه وهو واحد من خطباء المسجد لمراسل "الحدث"، "دخلوا من هنا وحطموا النافذة"، مشيرا إلى باب الجدار الذي تم اقتحامه قبل الوصول إلى ساحة المسجد الرئيسة.
وقال وزير الأوقاف والشؤون الدينية يوسف ادعيس إن إحراق أجزاء من مسجد أبو بكر الصديق، من قبل مجموعة من المستوطنين المتطرفين كانت محاولة لإحراقه بشكل كامل.
وقال سكان يسكنون بالقرب من المسجد، إنهم لم لا يلاحظوا دخول المستوطنين إلى المنطقة، لكن بائع خبز كان يوصل الخبز فجرا إلى المحلات التجارية شاهد الدخان ينبعث من النوافذ فنبه المصلين في وقت صلاة الفجر.
وقال عبد الفتاح الذي كان يحاول إزالة بعض السجاد المحترق "الدخول إلى المنطقة ليس صعبا عليهم"، ويقول سكان المنطقة إن المستوطنين نفذوا عمليتهم من خلال مركبة وصلت إلى شارع يبعد عن المسجد نحو 500م، قبل أن يدخلوا عبر حقل زيتون مستغلين الأشجار للتستر عليهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحرق فيها مستوطنون متطرفون مساجد، فمن قبل أشعلوا النيران بأربعة مساجد كلها تقع جنوب نابلس، حيث تقام هناك مستوطنات يسكنها يهود راديكاليون ينشطون في مجموعة تطلق على نفسها "تدفيع الثمن".
وفي عقربا ذاتها، أحرقت المجموعة قبل نحو شهرين مخازن قش، وقال ربحي سلقية وهو أحد رواد المسجد "قبل أشهر أحرقوا هناك بركسات لتخزين الحبوب"، مشيرا إلى منزل لا يبعد كثيرا عن المسجد. وغالبا ما يهاجم المستوطنون الحقول والمنازل الواقعة على أطراف القرى ممتنعين عن الدخول إلى العمق كي لا ينكشف أمرهم.
ذاته يقع مسجد أبو بكر على أطراف عقربا، وهو مسجد حديث شيد في العام 2009. ويقول الفلسطينيون إن ما يقوم به المستوطنون يهدف إلى جر المنطقة إلى حرب دينية.
ويشهد المسجد الأقصى منذ نحو أسبوعين صدامات يومية، بين المصلين وجيش الاحتلال، بعد محاولات عديدة لإغلاقه والسماح لمتطرفين يهود بالتجول فيه.
وكان الرئيس محمود عباس حذر الحكومة الإسرائيلية من مخاطر تحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بتمرير الإجراءات الإسرائيلية الخطيرة بحق المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي.
وأضاف الرئيس في تصريح صحفي صدر عن الرئاسة قبل أيام قليلة "إن التصرفات الإسرائيلية تحاول أن تجعل الصراع صراعا دينيا".
وقال "نحن نعرف، وكذلك العالم، خطورة استعمال الدين في الصراعات السياسية، وتحويلها إلى صراع ديني، لذلك لا بد أن نرى جميعا ما يحيط بنا وما يحصل من حولنا، وعلى إسرائيل أن تنتبه لهذا، وأن تفهم أن مثل هذه الخطوات محفوفة بالمخاطر عليها وعلى غيرها".
ومعروف أن كثير من المستوطنات تعتبر قاعدة انطلاق للمستوطنين الذي يقومون بأعمال إرهابية ضد السكان الفلسطينيين العزل.
وقال إدعيس إن "هذه الأعمال المرفوضة دينياً وخلقياً وإنسانياً لم تكن لتعود على هذه الشاكلة لولا الأرضية العنصرية، والأجواء المليئة بالكراهية التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي من خلال محاولاته المتكررة، وسماحه لقطعان المستوطنين بانتهاك حرمات المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وليس معروفا ما إذا كانت الشرطة الإسرائيلية ستتخذ إجراءات ضد المستوطنين الذين يقومون بعمليات حرق الحقول والممتلكات، لكن الفلسطينيين لا يثقون بإجراءات شرطة الاحتلال التي غالبا ما تنهي تحقيقها باتهام فاعل مجهول.
وقال مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس، إن المستوطنين يلقون تهاونا من قبل الأمن الإسرائيلي لذلك فإنهم يتحركون ويرتكبون اعتداءاتهم بكل سهولة.
لكن هنا في محيط مسجد أبو بكر الصديق الذي وصل إليه المستوطنون بسهولة، يظهر أيضا أنهم كانوا في مهمة عاجلة: إحراق ما يمكن إحراقه والانسحاب بهدوء.