صريح العبارة
تنصب اهتمامات العالم، ومنطقتنا خصوصاً، على متابعة مجريات المعارك التي تدور رحاها بين تنظيم الإرهاب "داعش" وبين المقاومين الأكراد في الشمال السوري، وتحديداً حول كوباني/عين العرب.
الأحداث تتبدل كل ساعة على الأرض، ولكن مهما كانت نتائج المعركة الدائرة الآن، إلا أن تداعياتها لن تمر بسهولة، بل ربما تقلب كل معادلة الحرب وأهدافها على الأراضي السورية والعراقية.
الجانب الأبرز في كل ما يدور يتعلق بالموقف التركي والتعقيدات التي تغلف موقفه من "الحرب على الإرهاب"، وبالمعركة التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الأوسع.
تركيا، وفي غمرة هذا الصراع الدائر، حددت هدفاً معلناً يقوم على إسقاط النظام السوري وما يطلقون عليه "نظام بشار الأسد"، ومن أجل تحقيق هدفهم هذا، فإن زعامة أردوغان تشترط من أجل مشاركتها في محاربة داعش (لاحظوا أنه لا حديث عن النصرة وغيرها من قوى التطرف الأخرى) إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية – السورية تصل إلى 40 كم عمقاً في الأراضي السورية، وعلى طول حدود تصل إلى 850 كم، وتطالب بفرض حظر جوي من قوى التحالف فوق المنطقة العازلة! إلا أنه فات عن راسمي هذه الأهداف أن إقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، حيث الفيتو الروسي جاهز.
لا شك أن قيادة أردوغان قد أصبحت تدرك ذلك بعد أن سمعت من قيادة التحالف رفضها لإقامة منطقة عازلة، ولذلك، فإن الزعامة المغرورة لأردوغان قد ذهبت باتجاه الانتقام من الأكراد السوريين القريبين من أكراد تركيا، مستخدمة في ذلك قوات داعش دون التخلي عن هدفها العدواني بإسقاط "نظام بشار الأسد". الهدف الممكن الآن لدى القيادة التركية هو توجيه ضربة إلى الطموحات الكردية في سوريا وتركيا، ومن المفارقات على تناقض السياسة لحكام تركيا أن أردوغان يقيم أفضل العلاقات مع أكراد شمال العراق بقيادة البرزاني لأغراض سياسية (إضعاف الدولة العراقية)، ولأسباب اقتصادية تقوم على شراء وتسويق النفط العراقي المسروق من آبار كركوك، وتهريبه إلى إسرائيل!
إن قيادة أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي سوف تجر تركيا إلى الخراب، فهي سياسة متناقضة مع الأساس السياسي والدستوري للدولة التركية الحديثة التي أسسها الزعيم مصطفى أتاتورك منذ العام 1923، باعتبارها دولة علمانية حديثة، وقد مرت تركيا بمحطات كثيرة لم تغير من أساسها الدستوري العلماني، وبالرغم من محاولات الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان إيجاد معادلة توافق بين توجهات حزبه الإسلامي (حزب الخلاص) مع الدستور التركي العلماني، فإن محاولاته قد فشلت وأوصلته، بعد صراع طويل مع القضاء التركي، إلى حل حزبه لعدة مرات، انتهت بزجه في السجن وحرمانه من العمل السياسي!
أردوغان، وهو أحد أعضاء حزب أربكان الأساسيين، يحاول أن يعيد نفس التجربة، وبطريقة فجة وعنصرية تفتقد للواقعية السياسية والمرونة التي كان يتمتع بها سلفه أربكان، فقد حاول الأخير أن يبني جسوراً من التعاون الاقتصادي مع عدة دول إسلامية مثل إيران ومصر وأندونيسيا، بديلاً عن الارتماء تحت شروط أوروبا في الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، في حين أن أردوغان يحاول فرض سيطرته على جيرانه، ويتدخل بفجاجة في شؤؤنهم الداخلية، إضافة إلى معركته المعلنة ضد القيادة المصرية ما بعد محمد مرسي.
السياسة الخارجية التركية تصطدم مع الأكراد في تركيا (12 مليون كردي في إطار الدولة التركية)، ومع حزب العمال الكردي الذي ينتهج أسلوب الكفاح المسلح منذ ثلاثة عقود، كما تصطدم سياسته مع سوريا والعراق، وبالضرورة مع إيران، إضافة إلى توتر علاقاته مع مصر، وفي ذات الوقت لا يبدو أن سياساته الخارجية تلقى قبولاً من الولايات المتحدة وحلفائها، ذلك أن لهم مصالحهم التي لا تتطابق مع السياسة التركية الطامحة نحو السيطرة على المنطقة، حتى أن البعض يصف هذه السياسة بمطامح عثمانية!
السياسة التركية محكومة بالفشل، وهي سياسة متناقضة وموزعة بين مجموعة متناقضات على الصعيد الداخلي، وتناقضات خارجية تثير الاستغراب، وهي في المحصلة تدفع بالمنطقة إلى المزيد من التدهور، ولن تنجو منها تركيا مهما حاول أردوغان أن يسير على الحبال...!!