الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الهُويّة والإبداع الفلسطينييْن بين الجدلِ والوصل

الهُويّة والإبداع

2013-11-26 00:00:00
الهُويّة والإبداع  الفلسطينييْن بين الجدلِ والوصل
صورة ارشيفية

د. مليحة مسلماني

رسم رقمي للفنان باسل المقوسي، غزة

تُعرَّف الهُويّة لغويًا، وكما ورد في المعجم الوسيطـ، على أنها “حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره”، وهي مشتقة من الهُوَ، وهو مصطلح نالَ بحثًا واسعًا في أدبيات الصوفيين على مرِّ العصور الإسلامية، خاصة محيي الدين ابن عربي الذي خصصّ كتابًا فيه سمّاه “كتاب الهُوَ”. ويعرف المعجم الوسيط “الهُوَ” من المنظور الصوفي على أنها “الغيب الذي لا يصح شهوده للغير كغيبِ الهوية المعبَّر عنه كُنهًا باللا تعيّن، وهو أبطن البواطن”، أما في كتابه “التعريفات”، يعرف الجرجاني الهوية على أنها “الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق”. 

هذه المقدمة المختزلة والعربيةُ الجذورِ حول الهوية تصبح ضروريةً من أجل إعادة تعريف هذا المصطلح الذي طالما اعتمدنا في تعريفه ونقاشه على الأدبيات الغربية، مبتورين عن جذورنا الفكرية وما تنطوي عليه من إرث خصب علينا الانطلاق منه في البحث والتراكم الثقافي، حتى لا نبقى أسرى التبعية الفكرية للغرب. لقد أحدث الاعتماد الكلي على التعريفات الغربية لمفاهيم في غاية الأهمية مثل الهوية، أحدث برأينا إشكاليات كبرى في فهم الهوية وبحثها ونقاشها في سياق ثقافي عربي المنشأ والبناء. 

الهوية هي الأصل، وتعريفها يظل يفيد الصورة لا الأصل، فالأصلُ حقيقيةٌ ثابتة وللحقيقة أوجه تأويل عدة، ومن وجهة نظرنا فإن أشكال الإبداع المختلفة، من آداب وفنون، هي محاولات الإنسان على مر العصور لتمثيل هويته بمختلف مستوياتها، الفردية والجمعية، وبمختلف صورها الثقافية والوطنية، بحيث تُطرح الهوية في العمل الإبداعي، إما للتمثيل أو محاولة التعريف أو النقد أو إعادة التشكيل أو غيرها من مظاهر الجدل، بين عنصرين في غاية الأهمية للبشرية: الهوية كمفهوم يميز شخص أو جماعة ما في نظره وأمام الاخرين والجماعات الأخرى، والإبداع، كعملية معقدة تُخضع الواقع لصنف من صنوف التعبير الجمالي، من مسرح وتشكيل وشعر وأدب وغيره.

يصبح الأمر، وتلك العلاقة الجدلية بين الهوية والإبداع أو الفنون والآداب، على قدر كبير من الأهمية والخطورة في الحالة الفلسطينية التي تعاني من محاولات طمس الهوية بل وإنكارها وإنكار الوجود الفلسطيني كوجود إنساني ووطني وقومي وثقافي من قبل الفكر الاستعماري، الذي وظف أدواته المختلفة، السياسية والعسكرية والفكرية والأدبية، لتشويه التاريخ وطمس الوجود الفلسطيني جغرافيًا وسياسيًا وثقافيًا. 

سرعان ما أدرك الفلسطينيون منذ أوائل القرن الماضي الخطر المحدق بوجودهم وبهويتهم، وكان المثقفون والمبدعون الفلسطينيون، من مفكرين وشعراء وأدباء وفنانين، أول من أدرك عمق الصراع مع المحتل على أنه صراع ليس على الوجود فحسب، بل على هوية الأرض ومواطنيها الفلسطينيين، فوظفوا أدواتهم الإبداعية كافة كسند للحفاظ على الوجود وكوسائل نضالية، من هنا برز ما يُعرف بادب المقاومة الفلسطيني، وبرز مفكرون أمثال إدوارد سعيد وغيره، وتشكيليون أمثال إسماعيل شموط وسليمان منصور ومصطفى الحلاج وغيرهم الكثيرين، والكثير من الأدباء والشعراء، الذين يعتبر نتاجهم الإبداعي إرثًا فلسطينيًا شاهدًا على عمق الوجود والثقافة الفلسطينييْن، ويطرح القضية والهوية والصراع شهادةً وتاريخًا وهاجسًا وقلقًا وبحثًا وإثارةً للأسئلة ومحفزًا لمواصلة النضال.

هذا النتاج الزخم والخصب المنطوي على التعقيد والتراكم الثقافي الموازاي للمسيرة النضالية الفلسطينية، لا بد من طرقه وبحثه وعرضه في دراساتنا ومؤسساتنا وصحفنا، وهنا في تلك الزاوية حول الهوية والإبداع، نتوق إلى خلق منبرٍ للإبحار عميقًا في الهوية والقضية الفلسطينيتين وعلاقتهما بصنوف الإبداع الفلسطيني من شعر وأدب وفن تشكيلي ومسرح وفكر وغيرها، من أجل التأمل والنقاش والبناء والمراكمة على إرث رواد الحركة الثقافية الفلسطينية، التي رغم تشتت أوصالها بعد النكبة، إلا أنها ما زالت تلتف في إبداعاتها حول الهوية الفلسطينية وحقها في الوجود والصمود