نشر منسق دولة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة "بولي" على صفحته عبر الفيسبوك صورة- على ما يبدو أنها فاجأته- لعناصر من الجهاد الإسلامي وهم يوزعون أجهزة تدفئة كهربائية "صوبات" من صناعة إسرائيلية. المنسق علق عليها:
"ازدواجية الإرهاب في غزة - نشطاء "الجهاد الإسلامي" يتباهون في الصور بتوزيع أجهزة تدفئة على السكان المحليين، وفي الواقع الأجهزة من صنع اسرائيل..
يحرضون على قتل الآخر ويستغلون انتاجاتنا ونشاطاتنا ليدعو ما لا يعرفوه الا وهو الإنسانية."
وبغض النظر عن الأخطاء اللغوية، والمغالطات المفاهيمية لمعنى الإنسانية التي يتحدث عنها منسق الاحتلال وتعريفه للإرهاب ومن ينطبق عليه هذا التعريف، تظل الجملةُ الصحيحةُ في نصه، تلك التي تتعلق بتعاملنا كفلسطينيين مع منتجات الاحتلال، والتي لم ننجح حتى الآن في مقاطعتها، وفي وقفنا لاستهلاكها، وفي إعلاء موقف وطني واضح وصريح مبني على قناعات بأهميتها الملحة، حتى صار الأمر طبيعياً وعادياً أن تتناول ربة المنزل من على رف المحل التجاري علبة البندورة المنتجة مما زرع في أراضٍ مصادرة في الأغوار يفلحها ويزرعها ويحرثها المستوطنون الذين يفرحون لدمائنا الحمراء عندما تسال على أرضنا.
صار الأمرٌ عادياً أكثر من اللازم.
أذكرُ تماماً عندما استقبلنا أفراد عائلة والدي في أريحا لدى عودتنا إلى أرض الوطن بموجب اتفاقية أوسلو في الصيف الحار لعام 1994، كانوا فرحين جداً، يحملون علب زجاجية لعصائر كُتبَ عليها باللغة العبرية اسمها ومكان انتاجها.
حين أمسكتُ علبة العصير في يدي شعرتُ أني أمسكُ بقنبلة ستنفجر سريعاً أو أني أمسكُ بسكين سأغرِسُها في صدر أول فلسطيني سأُقابلهُ على أرض الوطن، شعرتُ أني أمسكُ بدليل خيانة، فقمت بسرعةٍ وبحركة لا إرادية برميها من يدي كأنها حرقتني، ولم يلتفت أحدٌ إلي ولم يعرفوا حتى أني رميتها.
كل فرحةٍ بالعودةٍ لفلسطين اختفت صدمةً وخوفاً، لأنها كانت اللحظة الأولى التي اصطدمُ فيها وجهاً لوجه مع أحرف اللغة العبرية. لم أكن قبلاً قد رأيتُ حرفاً عبرياً إلا عبر شاشات التلفاز التي نقلت أيضا مشاهد التوقيع على اتفاقية أوسلو 1 والمصافحة "التاريخية" للرئيس الراحل أبو عمار واسحق رابين، لنعود محملين بأعباء السلام والاحتلال.
ومع كل يوم يمر كان السلام يبتعدُ أكثر ويستمر الاحتلال لفترةٍ أطول لكن بصيغة مختلفةٍ وبطريقةٍ جعلناها عليه أسهل.
هو أمرٌ غيرُ مفهومٍ أن لا نرفضه بأبسط الطرق، أن نقاطع احتلالنا بأضعف السبلُ، أن نخرجه من خزانات المطبخ ومن ثلاجاتنا ومن طعامنا، ومن الزاكي الذي نشتريه لأطفالنا.
باختصار، كيف يمكن أن نحترم أنفسنا، أو أن نطالب العالم باحترام شعبنا وهو يطيلُ في عمر احتلاله.