بدأت دعاية ترامب بالكثير من التصريحات الاعلامية، وخطاباته الرنانة المثيره بين أوساط المؤسسات المهتمة والمتابعين للشأن الداخلي الأمريكي وبالسياسات العالمية والعلاقات الدولية في العديد من القضايا المقلقه والمستفزة في أغلب الأحيان عند الكثير من المراقبين للانتخابات الامريكية وما لها من تأثير وتأثر عالمي كون الولايات المتحدة الدولة العظمة والقائدة الوحيده للسياسات والتوجهات العالمية وخاصة بعد انتهاء ثنائي القطبية من القرن المنصرم، وانكماش دور روسيا وغيرها من الدول التي كان لها دور سياسي وازن في العلاقات الدولية، وعلى الرغم بأن هذه التصريحات جاءت كالعادة يتعامل أغلب المتابعين والمشاهدين لها في إطار التصريحات والدعاية الانتخابية واكتساب الأصوات للناخبين والكتل الاجتماعية المتعدده والمكونات التصويتية المتناثره بين خمسون ولاية التي تبنت قراراتها وتأيدها لهذا المرشح أو ذاك ضمن مصالحها المختلفة والمتعددة والتي لها أطماعها ومصالحها المالية والسياسية والصفقات التجارية، لكن ترامب صاحب الشخصية المقلقة والمثيرة الذي جاء من وراء قلاع مالية كبيرة واستثمارات تجارية خارقة للولايات الامريكية، جاء مختلف عن غيره المرشحين السابقين الذين لهم سيرهم الذاتية وتاريخهم السياسي والعسكري والأمني الحافل، أو من خلال رجالات مؤسسة الدولة المدنية ولهم باع واسع بالعلاقات الدولية أو المؤسسات العالمية المنتشرة على هذه البقعة من الأرض أو حتى كما شهدنا بالسباق الانتخابي للعوام الفارطه التي كانت تشهد منافسة حاده من أكثر سنتور للولايات الكبيرة والمؤثرة كما تعودنا عليهم، إلا أن ترامب كان واجه سياسية جديدة ليس فقط لللمتابعين للسياسات الدولية وإنما حتى للمواطن الأمريكي نفسه الذي راى فيه وجه جديدا بعد ما سئم من المنافس الاخر عن الحزب الديمقراطي هلاري كلينتون التي طبع في أذهان الكل بأنها زوجة الرئيس الأمريكي الذي خرج من غرف البيت الابيض الكبيرة بعدما ضيق عليه هو ومونيكا، عدا عن المعلومات حول التسريبات البريدية كونها استخدمت بريدها الالكتروني الخاص أو الرسمي أثناء توليها وزارة الخارجية الامريكية، التي أثارت هذه التسريبات جدلا واسعا أثناء حملتها الانتخابية لصالح منافسها الجمهوري قبل أيام من التصويت، لذلك افقدها المزيد من المصداقية، وأصبح ملامحها المرشحة سيئة الصيت والسمعه، وبغير عادته الناخب الأمريكي يرغب في التبديل والتغيير وانتابه شعور فضولي بمعرفة الرجل الغير تقليدي ومثير للقلق في كل شيْ حتى بعلاقته النسائية، فعاش الأمركان ولايتين لأوباما لم يشعر بشيء جوهري في برنامجه الاجتماعي الذي وعد خلاله أثناء ترشحه للانتخابات سواء بالولاية الاولى كالرعاية الصحية التي أثارت أشكالا خلال ولايته والمعضلة التي واجهته في ولايته الثانية المتعلقة في أزمة العقارات والبورصة التي هزت ثبات المنظومة المالية لولايتها، ومصداقية ووعوده الانتخابية، وأدت إلى خسارة الديمقراطيين الكثير من مواقعهم الانتخابية وقلاعهم المؤيده لهم لذلك استطاع السيناتور الجمهوري السيطرة على المؤسسات الكبيرة التي يتكون منها النظام الامريكي منها مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية العليا والرئاسية، إضف إلى أن الرئيس 45 بدأ باليوم الذي نصب فيه رئيسا للبيت الابيض بتنفيذ وعوده وبرنامجه بدأه بخطابه الشعبوي المرتجل أمام جمهوره ومؤيديه بعد أن أدى اليمين القانوني، واليوم التالي لدخوله البيت الأبيض أصدر أمرا تنفيذيا بالانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، ومرسوما أخر تنفيذيا لبناء جدار على امتداد الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وغيرها من القرارات التنفيذية التي أثارت حفيظة الأمريكان الذين تظاهروا ضده بالألوف التي نصت على منع دخول أمريكا المهاجرين من سبعة دول جلهم من مناطق الصراع في الدول العربية ليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال والسودان، ورافق هذه القرارات رفض من العديد من المسئولين منهم القائمة بأعمال وزير العدل والوكيلة بملف المهاجرين تنفيذ هذه الاوامر، مما دفع ترامب على الفور إقالتها من منصبها، بهذا أراد الرئيس 45 أن يؤكد لجمهوره ومؤيديه بأنه يفي بوعوده وعند كلمته مهما كلفه من ثمن، ولا يأبه إلى التحذيرات والتنبيهات من مستشاريه الذين يشبهونه أو من الدول الصديقة والحليفة.
وليس غريبا بتصرفات ترامب تنفيذ أوامره والوعوديه وإحداث القلاقل بعلاقته الدولية التي أثارت تخوف العديد من الدول كعدد من دول الاتحاد الاوروبي منها فرنسا صاحبة التأثير القوي بسياستها الخارجية وهذا عن غير عادة الرؤساء السابقين للبيت الابيض، فالعلاقة الدولية في عهد الإدارة الترامبيه ذاهبه إلى منحنا لا يحمد عقباه وليس مفاجئ عليه بأن يصبح علاقته غدا مع دول كايران وكوبا أصدقاء بعد عداء أجيال متعاقبة من الحكماء والرؤساء لتلك الدول، وزيادة فجوة الاختلاف والتباين مع الصين الدولة الكبيرة الصاعدة والمنافسة على الصعد التجارية والمالية والمصرفية من خلال التلاعب على خط تايوان، والمؤشرات تتجه باستمرارية سياسة ترامب في العلاقات الدولية المثيرة، بالاتجاه الاخر ينتظر الدب الروسي بوتن المتمرس برغبته وطموحه بإعادة مكانته ووزنه برسم التحالفات والتكتيكات في السياسة الدولية في ظل هذه القرارت المتهوره لترامب التي بدأت في إزاحته عن عرش الكون، والحد المستمر على سيادة أمريكا في مخرجات قرارات المؤسسات الدولية وكان اخرها قرار مجلس الامن رقم 2334 الذي ينص على مطالبة اسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وعدم شرعية الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، ولا نغفل بأن الفترة الاخيرة لعهد أوباما انكمش تأثيرها في العديد من الملفات الساخنة والشائكه كالصراع السوري ومن قبلها أزمة القرم حيث مازالت العمل على تحديد وتقليص دوره بشكل ملموس وجاد كما جاءت رغبة الدول الكبيرة إعادة دورها السياسي بهذه الملفات والعلاقات الدولية وما يحكمها اليوم عن السابق هو إن عاش العالم سيطرة أمريكا على جميع الملفات الدولية وحكمة العلاقات بين الدول في ظل غياب المنافس التقليدي، كروسيا وتراجع في دور بعض دول امريكا اللاتنينة.
الخلاصة: القراءه الاستشرافية لا تبشر بالخير، وإنما المشهد العالمي سيشهد تعقيدات كثيرة ومزيدا من التشنجات في العلاقات الدولية والاصطفافات بين التكتلات الدولية المتنوعة، وأصبح جليا رغبة دول الكبرى كالصين وروسيا وتكتل دول البريكس كسر إحتكار سيادة العالم بيد دولة قطبية واحدها وإنما سينشأ عالم متعدد القطبية ضمن مصالح وتحالفات سياسية واقتصادية وتجارية، وهذه التحالفات والتكتلات ليست وليدة سياسة ترامب أو قرارته فقط وإنما جاءت في السياق التطور التاريخي للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لوعي المكونات الدولية الراغبة في إنهاء سيطرة القطبية الواحدة على هذا الكوكب المتناثر.