السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

د. أحمد يوسف: أرى أن تظل قيادة المكتب السياسي في الخارج

2017-02-03 03:35:44 PM
د. أحمد يوسف: أرى أن تظل قيادة المكتب السياسي في الخارج

الحدث مقالات

 

كان رأي د. أحمد يوسف أحد مفكري حركة حماس قبل أشهر قليلة من اليوم، أن تظل قيادة المكتب السياسي في الخارج، مع إعطاء غزة مساحة أكبر في عملية اتخاذ القرار.

 

هذا ما كان يطرحه د. أحمد يوسف قبل أشهر قليلة، ولكن ما حدث من تطورات قد يغير هذه الرؤية لخيارات أخرى، كأن تخرج قيادة الحركة إلى الخارج، لتقود بعيداً عن تأثيرات المحتل، أو أنها ستكون في غزة ضمن عدة ترتيبات معينة أجرتها الحركة في الأشهر الأربعة الأخيرة، خاصة حينما كان القيادي اسماعيل هنية في جولة شملت عدة عواصم عربية واقليمية.

 

ماذا ستسفر عنه الانتخابات الحالية لحركة حماس، سيكشف جزء كبيراً مما تم ترتيبة أثناء هذه الجولة الأخيرة للحركة ومشاوراتها حول هذا الأمر.

 

فيما يلي كانت رؤى الدكتور أحمد بحر الذي خصص لها هذا المقال في شهر 19 يونيو,2016 الماضي، وجاء فيه:

 

في الأيام الأخيرة، تناولت وسائل الإعلام المختلفة؛ لاسيما الإسرائيلية منها، تكهنات متباينة حول ما يمكن أن تفضي إليه نتائج الانتخابات الداخلية القادمة من أسماء على مستوى القيادة والتمثيل، وهي سابقة في تاريخ الحركة، إذ كانت هذه المعلومات حول الانتخابات تتوفر بعد أسبوع أو أسبوعين من إجرائها.

 

اليوم، لم تعد هذه المسألة من المحظورات، حيث إن حماس تحوّلت – عملياً – إلى حركة جماهيريّة، وهي عملياً السلطة الحاكمة في قطاع غزّة، وشخصيات قياداتها تجاهر بمواقعها التنظيمية ولا تجد في ذلك غضاضة أو حرجاً أمنياً.

 

وبخصوص تلك الانتخابات، فقد سبق أن كان هناك أكثر حديث من يتعرض لنفس الموضوع، ويتداول أسماءً لقيادات في الداخل والخارج. السؤال: ما مدى دقة هذه الأخبار أو التسريبات وما هي صحتها؟ وهل هناك معايير محددة لموقع رئيس المكتب السياسي للحركة؟ وما هو الدور المنوط بمن يتوسّد هذه المكانة؛ أي الرجل الأول في الحركة؟

 

في الحقيقة، كانت الأمور قبل مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية أقل تعقيداً، ولا تأخذ الضجة التي نسمعها هذه الأيام أو منذ فازت الحركة في يناير 2006، وقامت بتشكيل الحكومة العاشرة.

 

بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين؛ مؤسس حركة حماس، والأب الروحي للتيار الإسلامي في قطاع غزة، ربما أخذ هذا الموقع الوزن الأكبر في تشكيلات الحركة التنظيمية، ولذلك تمَّ تعديل اللوائح وإجراء تعديلات أعطت هذا المنصب أهمية وفضاءات لم تكن متاحة في السابق.

 

لا شكَّ أن تأسيس حركة حماس في ديسمبر 1987، وتنامي زخم قوتها وشعبيتها في الساحة الفلسطينيّة والعربيّة، وتعاظم الحاجة للحراك والتعبير عنها في الخارج، بعدما قيَّدت السلطة والاحتلال عناوينها القيادية في الداخل بعد 1996، الأمر الذي فرض أمنياً وإقليمياً أن تكون لها قيادة تملك زمام المبادرة خارج الوطن المحتل، وتتمتع بسلطة القرار والتحرك بين العواصم العربية والإسلامية، بهدف حشد المواقف والسياسات الداعمة لحركة حماس على المستويين الرسمي والجماهيري.

 

إن حيوية قيادة الخارج في التعامل الإعلامي، وفعالياتها الحركية في حشد الدعم المالي والتأييد الجماهيري للحركة في الداخل، قد منحها الأفضلية، ورسَّخ القناعة لدى الجميع في الحركة بأهمية أن تكون القيادة في الخارج، وذلك للكثير من الاعتبارات الأمنية من ناحية، وفرص الظهور الإعلامي والحراك السياسي، الذي يتطلب السفر والتنقل بدون حواجز أو قيود من ناحية أخرى.

 

من هنا، حظيت قيادات الخارج إعلامياً وسياسياً وحركياً بمكانة متميزة، حيث انشغل الداخل بالفعل المقاوم للاحتلال، فيما منابر التعبير عن عمليات المقاومة صارت حصرياً لقيادة الحركة أو المكتب السياسي بالخارج.

 

اليوم، ومنذ الانقسام البغيض في يونيه 2007، بدأت تثار قضية القيادة في الداخل والخارج، ولكن التسويات التنظيمية أعطت للداخل ما يجعله مرتاحاً شيئاً ما لأداء قيادة الخارج، وإن كان يثار – أحياناً – بعض اللغط حول هذه المسألة، ولكن الأداء المتميز لقيادة الخارج في حشد مواقف الأحزاب والتيارات والجماعات الإسلامية المختلفة وتفعيلها خلف الحركة، وتوفير الدعم المالي والتأييد الشعبي الواسع لحماس، إضافةً لاتساع الساحات التي فُتحت للحركة في العديد من العواصم العربية والإسلاميّة، بحيث أصبح هناك مكاتب تمثيل، أخذت تمارس شكلاً من أشكال العمل الدبلوماسي والسياسي، مما زاد من أهمية موقع قيادة المكتب السياسي في الخارج.

 

من المعروف أن د. موسى أبو مرزوق هو أول رئيس لهذا المكتب عند تأسيسه في عام 1993، وبعد اعتقاله في أمريكا في 1996، أجرت الحركة مشاورات داخل قيادتها في الخارج، وتمَّ انتخاب الأخ خالد مشعل لقيادة المكتب السياسي، وظلت الأمور طوال كل تلك السنوات تُدار بالتوافق بين قيادات الداخل والخارج، وتحكمها اللوائح وروح الحرص على استقرار الحركة ووحدة صفوفها في الداخل والخارج.

 

إن حركةً بحجم حركة حماس وقوتها وطبيعة مشروعها التحرري، واتساع التأييد والدعم الجماهيري لها عربياً وإسلامياً، لا يمكن أن تتركها الدوائر الاستخباراتية الإقليميّة والدوليّة بدون رقابة أو العمل بكل الوسائل للتعاطي معها أو حتى على اختراقها، ولكن كون الحركة – برغم اتساعها – متماسكة تنظيمياً، ونجحت في الحفاظ على مسافة متساوية في علاقاتها العربية والإسلامية من الجميع، وجعلت الضابط الأهم في تحركاتها السياسية هو خدمةَ القضية الفلسطينية على قاعدة أن المصالح التي تجمعنا مع الآخرين يجب أن تحكمها المبادئ. لذلك، ظلت الحركة عصيَّةً على الكسر أو الاختراق.

 

الربيع العربي: النشوة والانكسار

 

لا شكَّ أن حركة النهوض في المنطقة فيما سُميَّ بالربيع العربي قد أنعشت آمالنا بقرب الخلاص مما نحن فيه، حيث كانت المؤشرات التي أطلقتها نجاحات هذا الحراك في تداعي أنظمة الحكم المستبدة في كلٍّ من تونس وليبيا ومصر، وانتقالها إلى بلدان عربية أخرى كاليمن وسوريا، وترشح احتماليات وصولها إلى باقي دول المنطقة العربية، مع تمكّن الإسلاميين من فرض حضورهم على أجندات كل هذه الحراكات، والحديث عن ارتفاع شعبيتهم، وتعاظم أدوارهم، وإمكانية تمكنهم من الوصول إلى سدة الحكم وضبط إيقاع المنطقة، بحيث تأخذ القضية الفلسطينية مكانتها؛ باعتبارها قضية الأمة المركزية.

 

لعل هذه الفترة من التفاؤل وانتعاش الآمال، ربما كانت فرصتنا التي أضعناها في تسوية أوضاعنا الداخلية ووضع حدٍّ للانقسام. نعم؛ نجحنا في التوقيع على ورقة المصالحة المصرية في مايو 2011، ودخلنا حرباً مع إسرائيل في 2012، وخرجنا منها بنكهة المنتصر، والفضل فيها للمقاومة ولصمود شعبنا العظيم، وللجهود العربية والإسلامية، وخاصة لمصر والرئيس محمد مرسي، والتي تحركت بشكل متسارع لوقف العدوان عن قطاع غزة.

 

لا يختلف اثنان أن نكهة النصر هذه قد أعطت للأخوين خالد مشعل وإسماعيل هنية (أبو العبد) دعماً معنوياً وشعبياً كبيرين، وأرسلت إشارات مبطنة حول القيادة القادمة، حيث إن ظهور الأخ (أبو الوليد) في قطاع غزة إلى جانب الأخ أبو العبد هنية في الاحتفالات التي أقامتها حركة حماس أو الأنشطة السياسية والحوارات الفكرية التي جرت خلال فترة وجود الأخ (أبو الوليد) في غزة، كلها كانت واضحة في دلالاتها حول التحالف القادم، والتي ظهرت نتائجه في الانتخابات التنظيمية للمكتب السياسي التي جرت في القاهرة.

 

ومع تعقيدات الوضع في سوريا، وإيثار الحركة لفكرة الخروج من هناك، بعدما عجزت جهودها في إصلاح ذات البين؛ بين النظام والمعارضة، وحسم المكتب السياسي موقف الحركة بتصفية وجودها في سوريا، وتأييد الحراك الشعبي هناك، الأمر الذي تسبّب في توتير العلاقة مع كل من إيران وحزب الله.

 

هذا الموقف الذي اتخذته الحركة لم يكن بدون ثمن كبير دفعته القيادة، واضطرها لإعادة النظر في كيفية تغطية الدعم الذي أوقفته إيران عن الحركة والحكومة، والذي أدى إلى أن تقوم الحركة بتطبيق سياسة “شد الأحزمة على البطون”، وتقليص ميزانياتها، وتخفيض رواتب الموظفين والمكاتب الحركية كنتاج لانقطاع الدعم الإيراني.

 

 

كان الإيرانيون من الذكاء بأن عملوا على وقف مساعداتهم فقط على الواجهات السياسية للحركة، فيما ظل الدعم قائماً لكتائب عز الدين القسام، وإن لم يكن بنفس مستوى الحماس السابق، ولكنه استمر، وأوصلت إيران بذلك رسالتها أنها مع المقاومة، وإن كان لها خلاف واضح مع السياسيين في الحركة، وخاصة بعض قيادات الحركة في الخارج.

 

وعليه؛ فقد تأثرت وضعية الحركة في الداخل والخارج، ومع إغلاق معبر رفح، وتعقيد حركة خروج قيادات الداخل ظلت العلاقة مع إيران تزداد تعقيداً وتوتراً، بسبب ما يجري من مذابح في كل من سوريا والعراق، والتي أخذت طابعاً طائفياً، ظهرت فيه إيران وكأنها هي من يدير معركة المواجهة مع الحلف السعودي القطري الإماراتي، واشتعل الصراع بأبعاده الطائفية؛ سنِّي – شيعي، وضاعت مع ما نشاهده من ملاحم ودماء أحلام الرجال، وتراجعت مكانة القضية الفلسطينية، وحتى حركة حماس لم تعد في المشهد العربي والإسلامي بنفس المكانة والقداسة التي كانت عليها.

 

كان إغلاق المعبر، والموقف العدائي لمصر تجاه الحركة، سبباً في قطع خطوط التواصل مع عمقنا العربي والإسلامي، ولو كانت الأبواب أمام قيادات الداخل مفتوحة للسفر والتحرك ربما لكانت قادرة على رأب الصدع مع إيران، والحفاظ على مستوى من الدعم المالي بدل القطع الكامل له، وتلطيف الأجواء برغم الخلاف القائم معهم تجاه ما يحدث في العراق وسوريا.

 

ومع انتكاسة الربيع العربي، وتراجع الحضور الإسلامي في مشهد الحكم والسياسة، أصبحت حركة حماس مأزومة في صياغة علاقاتها مع دول المنطقة، حيث غدت التحالفات والمواقف مع ما يجري من صراعات على خلفيات طائفية هي بمثابة المعيار لطبيعة الاصطفاف في هذا الموقع أو ذاك.

 

لم تنجح كلُّ المبادرات والوفود التي تحركت من الخارج في تسوية الخلاف مع إيران، وإن نجحت بدرجة ما في التخفيف من حالة الاحتقان، ولكنها – للأسف – لم تتمكن من إعادة مياه العلاقة الاستراتيجية إلى مجاريها.

 

وحيث إن لعبة السياسة غير أدبيات الدبلوماسية، لذلك لا تنجح أساليب الصراحة؛ بل نحتاج دائماً إلى الحكمة والمداراة، ولكن هذه مهارات لها متطلبات ربما لا نمتلكها حالياً من حيث القدرة والتمكين، أما في ظل اعتماد الحركة على دعم دولة أو دولتين وخلافها مع آخرين، حتى وإن لم تقصد ذلك، فإن هذا يضع الحركة في حالة محرجة، ويحشرها بين المطرقة والسندان.

 

هناك حقيقة عبّر عنها د. موسى أبو مرزوق مؤخراً، حيث قال: “إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية؛ سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال، لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيعه معظم الدول”. وأيضاً كانت هناك تصريحات للأخ أبو العبد هنية تشيد بالدور الإيراني، وتذكر بعض فضائله في دعم المقاومة.

 

ولكن الإشكالية أن هذه التصريحات بالرغم من صدقيتها، إلا أنها لا ترضي – بالطبع – جهات خليجية، وبالتالي فإن مواقف الحركة في خضم هذا الواقع الذي تحكمه التناقضات وسياسة الأحلاف، يبدو مرتبكاً ويكثر فيه التغريد، حيث إن قطاع غزة الذي تلقى فيه المقاومة الدعم والتأييد الإيراني، والذي يفرض عليها التذكير والإشادة به من حين لآخر، يُغضب البعض في عالمنا السنِّي، ويجعل الحركة عرضة للقيل والقال.

 

 

إن حركة حماس – اليوم – هي في موقعٍ لا تُحسد عليه، وربما هي تمرُّ بظروف صعبة غير مسبوقة، ولكن صفها الداخلي مستقر ومتماسك، وهي لا تخشى تصدعاً فيه، حيث إن طبيعة التربية الدينية تفرض على الكوادر الالتزام، والدفاع عن المشروع حتى في أحلك اللحظات وأقساها.

 

السؤال الآن: ما هو المنتظر أو المطلوب في الانتخابات القادمة؟ هل نقل مركز ثقل الحركة للداخل يسهم بالحل أم يؤدي إلى تعقيد الأمور؟ وهل الهيكلية القائمة في عملية الاختيار، والتي تعود إلى عهد السرية والتنظيم المغلق ما تزال هي الأفضل، ويصلح استمرار العمل بها؟ ألم يأن لنا – كحمساويين – الاستفادة من خبرات من سبقونا من حركات إسلامية، وتطوير أساليبنا الانتخابية بالاحتكام إلى المؤتمر التنظيمي العام، حيث يتم طرح البرامج والأفكار على الملأ، ويكون التنافس الشريف على المكشوف، ولا بأس من ممارسة بعض أساليب الدعاية لهذا البرنامج أو ذاك، دونما اضطرار للكولسات، التي يمارسها البعض عن حسن نيَّة أو غير ذلك.

 

إن قناعتي – وملتي واعتقادي – أن الوقت قد حان لإجراء انتخابات لا يكون الفرد جوهرها؛ بل البرنامج الذي يحمله ويتحرك به، وعليه يتم اختيار طواقمه بحيث يمكن محاسبته في نهاية المدة على ما أنجز منه وعلى ما أصاب وأخطأ، وليس على ما يمتلكه من حظوظ أو حظوة شخصية.

 

قد تكون الدورة القادمة غير متاح فيها إجراء مثل هذه التغييرات، لكن على أمل تداولها في نقاشات من سيكتب لهم النجاح في انتخابات الحركة القادمة.

 

وحتى يتم ذلك، فإنني أرى أن تظل قيادة المكتب السياسي في الخارج، مع إعطاء غزة مساحة أكبر في عملية اتخاذ القرار.. ولمن قاموا بترويج أسماء بعينها، أقول لهم: ارحموا عقولنا.. إن أبجديات الفهم تقول غير ذلك!!

 

ختاماً: الواقع وفرص التجديد

 

إن أوضاع قطاع غزة الكارثية، وإخفاق جهود المصالحة الفلسطينية، وحالة المسغبة وضيق اليد التي عليها الكثير من كوادر الحركة، لا شكَّ أنها تطرح أسئلة صعبة – ولكنها مشروعة – حول نوعية القيادة السياسية القادمة للحركة، من حيث الحكمة والكفاءة والأهلية والتجربة النضالية، والتي يأمل الجميع أن يعقد على نواصيها سبل إخراج القطاع من محنته الوطنية وورطته الإنسانية، التي يعاظمها الحصار يوماً بعد يوم، وتجنيبه ما هو قادم من عدوان يبيته جيش الاحتلال وأعوانه بالمنطقة، لكسر شوكة المقاومة، وإضعاف صمود أهلنا العظيم في قطاعنا الصابر والمحتسب.