يرصد الكاتب الصحفي عماد الدين حسين تغيرا "مفاجئا" في علاقات مصر بحركة حماس الفلسطينية، ويكتب عن خلفيات وخبايا علاقات الطرفين، في مقاله لـ DW عربية يقول فيها:
فى يوم 25 يناير الماضي - والذى صادف الذكرى السادسة للثورة المصرية التى اندلعت فى نفس اليوم من عام 2011- كان إسماعيل هنية نائب مدير المكتب السياسى لحركة حماس موجودا فى ضيافة مصر لمدة يومين، وبعد انتهاء المباحثات عاد إلى غزة ليقول إن صفحة الخلافات بين القاهرة وهذه الجماعة الإخوانية قد طويت.
حتى أسابيع قليلة مضت كانت العلاقات بين الحكومة المصرية وحماس فى أسوإ أحوالها منذ ثورة 30 يونيو 2013، حينما تمت الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، بعد مظاهرات شعبية حاشدة، وكانت حماس – التي لم تنكر إخوانيتها- أحد كبار الخاسرين الكبار من هذه السقوط.
حتي تنحيه عن الحكم، لم يكن حسنى مبارك يكنُّ أي نوع من الود لحركة حماس، وكذلك العديد من أركان حكمه، ورغم ذلك فقد كانت هناك علاقات براغماتية معقولة بين الجانبين. حيث كانت أجهزة الأمن المصرية تطارد جماعة الإخوان المصرية وتقبض على العديد من قياداتها في الداخل، وفى نفس الوقت تواصل العلاقات العملية مع حماس.
وكما هو معروف فإن حركة حماس لعبت الدور الأكبر فى حفر الأنفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية.
ويعتقد البعض أن الحكمة المصرية تجاهلت هذه الانفاق التى كان يدخل منها كل ما يمكن ولا يمكن تصوره من السجائر والمواشي والسيارات المهربة إلى الوقود والأسلحة.
يعتقد البعض أيضا أن نظام حكم مبارك استخدم ورقة حماس بمهارة إلى حد كبير فى "ملاعبة إسرائيل" وإحداث نوع من توازن القوى.
طوال عهد مبارك كان قادة حماس يتوافدون إلى جهاز المخابرات المصري، ولم يسمح لهم أبدا بدخول القصور الرئاسية سواء كانت الاتحادية أو القبة أو العروبة. ولذلك فإنه بمجرد انتخاب الرئيس الأسبق محمد مرسى رئيسا، حرص هو وجماعته على دعوة قادة حماس لدخول القصر الرئاسي، والتقاط الصور التذكارية فيه في إشارة شديدة الرمزية بان الاوضاع قد تبدلت!!.
نظام مبارك لعب دور الوسيط الرئيسي فى معظم اتفاقات وقف النار التي كانت تعقب الاعتداءات الإسرائيلية المختلفة على قطاع غزة وحركة حماس.
وكانت جماعة الإخوان تلوم دائما نظام مبارك لأنه صار وسيطا بين اسرائيل وقوى المقاومة، ورأيها انه كان ينبغي أن يكون منحازا للشقيق الفلسطينى فقط.
المفارقة انه وبعد وصول الإخوان للسلطة، وخلال العدوان الإسرائيلى الكبير على قطاع غزة فى نوفمبر 2012، لعب النظام الإخواني نفس الدور الوسيط الذي كان يلعبه مبارك ولم يقطع العلاقات مع اسرئيل أو يعلن حالة الحرب دفاعا عن فرعه في غزة. لكن الذي حدث عمليا أن الحكم الاخواني في مصر، تلقى دعما وتأييدا وإشادة من الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل لدوره في الوساطة. وبعد خلعه من الحكم عاد لينتقد النظام الجديد ويتهمه بأنه يساعد فى حصار الفلسطينيين خصوصا فى قطاع غزة.
حينما سقط الإخوان بعد يونيو 2013 اتهمت الحكومة المصرية حركة حماس رسميا بأنها تورطت فى تهديد الأمن القومي المصري. وتم اتهام حماس بأن بعض أنصارها ومقاتليها ساعدوا فى اقتحام بعض السجون المصرية وإطلاق سراح بعض قادة جماعة الإخوان ومنهم محمد مرسى من سجن وادي النطرون خلال أحداث الثورة فى أواخر يناير 2011، وهى القضية التى عرفت باسم "اقتحام السجون"، كما اتهمت أجهزة الأمن المصرية بعض عناصر حماس بأنهم تسللوا إلى الأراضى المصرية لمساعدة الإخوان خلال أحداث الثورة. وهو الأمر الذى تنفيه حركة حماس بصفة مستمرة.
بعد 30 يونيو 2013 أيضا حظرت المحاكم المصرية كتائب عز الدين القسام وهى الجناح المسلح لحماس بتهمة مساعدة الإرهابيين والمتطرفين، وفى عام 2016 شهدت المحاكم المصرية العديد من القضايا ضد حركة حماس بتهمة دعم جماعة الإخوان، والمشاركة فى أعمال العنف والإرهاب التى تقع فى محافظة شمال سيناء وبالأخص فى مثلث العنف "العريش ورفح والشيخ زويد".
لكن ذروة التصعيد بين الجانبين، حينما اتهمت وزارة الداخلية المصرية حركة حماس بالتورط فى اغتيال النائب العام المصري السابق هشام باركات بتفجير موكبه بشرق القاهرة فى 29 يونيو 2010 قبل يوم واحد من الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو، التى أطاحت جماعة الإخوان من الحكم وبعدها صارت أخبار حركة حماس فى وسائل الإعلام موجودة دائما فى صفحة الحوادث.
خلال هذه الفترة أيضا حدث تبادل عنيف لحملات إعلامية متبادلة بين الطرفين استخدم فيها كل أنواع الأسلحة المعروفة فى الحروب الإعلامية.
وتتهم الحكومة المصرية حركة حماس بأنها تساعد بصورة أو بأخرى المتطرفين والإرهابيين الذين يواجهون أجهزة الأمن المصرية فى شمال سيناء ويتيحون لهم العبور عبر الانفاق إلى غزة لالتقاط الأنفاس أولا ثم لشن مزيدا من العمليات الأخرى. بعد كل هذه المواجهات والعلاقات المتوترة تفاجأ المصريون والفلسطينيون بأن اخبار حماس انتقلت من صفحة الحوداث إلى الصفحة الاولى، وان إسماعيل هنية سوف يزور مصر خلال أيام.
هنية غادر قطاع غزة قبل خمسة شهور تقريبا، وتوجه إلى السعودية لأداء العمرة، وبعدها سافر إلى الدوحة حيث يقيم غالبية قادة جماعة الإخوان المسلمين، الذين استقروا فى قطر. هنية ظل فى الدوحة لشهور، وكانت هناك اتصالات مستمرة بين الحكومة المصرية والحركة خصوصا عبر ممثلها فى القاهرة موسى أبومرزوق، الذى كان يتواصل بصورة أو بأخرى مع الجانب المصري حتى فى أسوإ حالات علاقات الجانبين. وكان حاضرا فى لقاء هنية مع المسؤولين المصريين فى الأسبوع الماضى ومعهم أيضا روحى مشتهى.
عاد هنية وأبومرزوق ومشتهى إلى غزة مساء الجمعة الماضى ليطلق تصريحات غاية فى الإيجابية عن المرحلة الجديدة فى علاقات الطرفين، بل أن محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس قال إنه تم التوصل إلى اتفاق لـ"ضبط الحدود" بين الطرفين وأن الأزمة بشأن معبر رفح كانت مصطنعة وأن قطاع غزة قادرعلى الوصول بحجم العلاقات مع مصر إلى سبع مليارات دولار سنويا.
السؤال بعد كل هذا التاريخ المتقلب والدراما، ما الذي أوصل العلاقات من اتهامات بالإرهاب والخيانة والتآمر إلى طي الصفحة تماما؟.
الاجابة هي السياسة والمصالح المتغيرة، خصوصا تولي دونالد ترامب، مقاليد الحكم في أمريكا واندفاعه ضد القوى والحركات الاسلامية وانحيازه السافر لاسرائيل. كل ذلك دفع حماس بنهجها البرغماتي إلى اعادة النظر في علاقتها مع مصر..
والسؤال: ما الذي حدث تفصيلا وقاد إلى هذا التحول الدراماتيكي بين الطرفين؟. سؤال يستحق المزيد من التفصيل.
*كاتب صحفي مصري- رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الشروق المصرية