الحدث-تل أبيب
أفارقة حلموا بالأمن وبظروف معيشية أفضل، فقرّروا التسلّل وطلب اللجوء في إسرائيل.. كان عليهم المرور أوّلا عبر "بوّابة" المهرّبين من البدو المصريين على وجه الخصوص، ممّن يضطلعون بتأمين عملية تسلّل المهاجرين غير الشرعيين إلى إسرائيل، ودفع مبالغ تصل إلى 5 آلاف دولار.. وبمجرّد وصولهم إلى إسرائيل، يجدون أنفسهم في مركز "حولوت" الإسرائيلي المخصّص لاحتجاز اللاجئين والمتسلّلين، محاصرين بقانون "منع التسلّل" الذي أسقطته محكمة العدل العليا، لكن حكومة إسرائيل رفضت الامتثال لقرارها.
"سعر الدخول إلى إسرائيل كان في حدود ألفين و500 دولار، غير أنّ المهرّبين (أشخاص يضطلعون بتأمين عملية تسلّل المهاجرين غير الشرعيين إلى إسرائيل) طلبوا مني، بمجرّد وصولي، مبلغ 5 آلاف دولار"
هكذا استهلّ أحد اللاجئين الإريتريين في إسرائيل حديثه لمراسلة الأناضول، التي إلتقته في أحد شوارع تل أبيب "باولو"، كان ذلك اسمه الأول الذي اكتفى بتقديمه، يعيش حالياً دون عمل، ومثله، يوجد الآلاف ممّن فرّوا من بلدانهم جراء الحروب وانعدام الأمن، وتسلّلوا إلى اسرائيل على أمل الحصول على عمل لتحسين ظروف عيشهم، غير أنّ الواقع لم يكن بمستوى تطلّعاتهم وطموحاتهم.
يعيش "باولو" في منطقة "نفي شأنان" في حيفا، ليس لديه عمل، فلقد تمّ إغلاق صالون الحلاقة الذي كان على ملكه بسبب عدم حصوله على ترخيص لمزاولة نشاطه، ويتطلّع حاليا للذهاب إلى كندا على أمل أن يصبح طبيبا بيطريا.
"باولو" تابع حديثه قائلاً: "حين دفعت الألفي و500 دولار، حصلت، مقابل ذلك، على كأس من الماء وقطعة خبز في اليوم.. ثمّ كان على أصدقائي في إسرائيل تجميع بقية المبلغ (لتسديده للمهرّبين)، وقد استغرق تحقيق ذلك 4 أشهر".
أكثر من ألفي و800 لاجئ محتجزين حاليا في اثنين من المراكز الإسرائيلية، أحدهما مفتوح والآخر مغلق، ويقعان جنوب صحراء النقب (منطقة صحراوية في جنوب فلسطين، والقسم الأكبر من سكان النقب هم من البدو العرب الذين بقوا في هذه المنطقة بعد حرب 1948)، على مقربة من الحدود المصرية. ففي مركز "حولوت"، على بعد 65 كم من "بئر السبع"، أقرب المدن الإسرائيلية إلى تلك الحدود، يجد اللاجئون أنفسهم مجبرين على توقيع حضورهم
في 3 مناسبات في اليوم، إلى جانب إجبارية الإقامة الليلية فيه انطلاقا من الساعة العاشرة ليلا إلى السادسة صباحا. ومن يشذّ عن تطبيق هذا القانون، يعرّض نفسه لعقوبة احتجازه في المركز المغلق المعروف باسم "سهرونيم".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" أصدرت في 9 آيلول 2014 تقريراً لها حول إرغام إسرائيل لطالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين على مغادرة إسرائيل"، وثّقت من خلاله المنظمة النقص المسجّل على مستوى الغذاء والتدفئة في مراكز الحجز الاسرائيلية، إضافة إلى مخاطر الفصل بين أفراد العائلة الواحدة.
"باولو" هو واحد من اللاجئين الـ 65 ألفاً الذين اجتازوا الحدود الإسرائيلية خلسة خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2006 و2013. حوالي 49 ألفاً منهم من طالبي اللجوء السودانيين – جنوب السودان ودارفور- والإريتريين. أمّا العدد المتبقّي، فيشمل اللاجئين القادمين بالأساس من غرب افريقيا، بينهم من هم قادمون بدورهم من البدان الآسيوية.
ملفات اللجوء التي تقدّموا بها إلى السلطات الإسرائيلية لم تحظ أبدا بالدراسة، فسودانيو دارفور والإريتريون لا ينتفعون سوى بوضع "حماية المجموعة"، فيما لم يحصل سوى اثنين من الإريتريين على صفة لاجئ.
وضع "حماية المجموعة" يمنح المهاجرين الأفارقة الجنسية المؤقّتة، أي أنها تتيح لحاملها إمكانية عدم الترحيل مباشرة. أما فيما يتعلّق بالإريتريين والسودانيين القادمين من دارفور أو من إريتريا، فإنّ السلطات الإسرائيلية لا تكلّف نفسها مجرّد إلقاء نظرة على ملفاتهم، وتجنح، في المقابل، إلى استخدام طرق أخرى لترحيلهم، من ذلك احتجازهم، أو عدم توفير الظروف الملائمة لاستقرارهم، أو ترحيلهم نحو بلدان العالم الثالث على غرار أوغندا، بالنسبة لحالات هامشية.
وفي تصريح للأناضول، أوضحت منسّقة مساعدي عمّال الصحة في "كاف لعوفيد"، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تحمي حقوق العمال، "عيدي ليبوفيتش" أنّ "السلطات (الإسرائيلية) التي ترفض الموافقة على مطالب اللجوء، تضمّ صهاينة يؤمنون بشدّة بالدولة اليهودية، وقبول مطالب اللجوء (بالنسبة إليهم)، يعني استقدام أشخاص غير يهود".
لدى وصولهم إلى إسرائيل، يحصل طالبو اللجوء على تأشيرة وقتية، دون ترخيص للعمل. إثر ذلك، أجازت محكمة العدل العليا ممارستهم لأنشطة مختلفة.
سوداني قادم من دارفور كان يعمل مديراً لإحدى النزل في "ايلات" جنوب اسرائيل، ويشرف على 25 موظّفاً، قال، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أنّه لم يحصل سوى على تأشيرة بشهر واحد، في آخر تجديد لإقامته في إسرائيل، مرفوقة بملحوظة تأمره بالتوجّه إلى مركز "حولوت" حال انقضاء الأجل المدوّن في تأشيرته.
وأضاف: "لقد حاول الرئيس (صاحب الفندق) التدخّل لفائدتي لدى وزارة الداخلية (الإسرائيلية)، لكنّ الأخيرة أبدت رفضاً قاطعاً" بشأن تمديد إقامته في البلاد، وهو القادم إليها منذ العام 2009، غير أنّه يجد نفسه حالياً مجبراً على الإقامة في مركز "حولوت"، وذلك منذ 6 أشهر.
ووفقاً للتقرير الصادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد أجبرت إسرائيل 6 آلاف و400 سودانيا و367 إريتريا على العودة إلى بلادهم، رغم التهديدات الأمنية التي تواجههم هناك. فالمجيء إلى إسرائيل بشكل غير قانوني من بعض الدول التي يفد منها أولئك الاجئون، يستوجب عقوبة بالسجن.
في 22 أيلول الماضي، قررت محكمة العدل العليا الإسرائيلية إغلاق مركز الإحتجاز المفتوح "حولوت". وقد أمهلت المحكمة الحكومة الإسرائيلية 90 يوماً لإغلاق المركز أو تغيير الإطار القانوني لسياسة قالت المحكمة أن أثرها التراكمي يرقى إلى مصاف الاحتجاز. كما أعلنت المحكمة أيضاً عن بطلان النص الذي يسمح للحكومة باحتجاز "المتسللين" حديثي الوصول لمدة تصل إلى العام.
وكانت مظاهرة لنشطاء اليمين المتطرف انتظمت، الأسبوع الماضي، بمنطقة "نفي شأنان" جنوب تل أبيب، دعت إلى طرد اللاجئين، وشبهوا محكمة العدل العليا بـتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). وفي المقابل، احتجّ، بشكل منفصل، سكان الأحياء حيث يقيم الآلاف من طالبي اللجوء، على غياب الدعم من جانب البلدية.
الحكومة الاسرائيلية تستعد، من جانبها، لمواجهة قرار المحكمة بإصدار قانون ثالث يشمل الاحتجاز لفترات طويلة، حيث أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي "جدعون ساعر"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، أن القانون الجديد "سيسمح للسلطات باعتقال المتسلّلين وجلبهم إلى مركز الاحتجاز، مع الأخذ بعين الاعتبار توصيات المحكمة العليا"، مؤكّدا تطبيق ضريبة على توظيف المهاجرين وطالبي اللجوء.