لا حباً في المناكفة ولا رغبة في القيل والقال. ولكني استيقظت هذا الصباح على مقالة افترض من بعثها لي أنها الحق كله. وأنا ارتأيت أنها تعرض من الأحكام ما يستحق أن يُناقش لأنها أحكام خطيرة على الناس والحياة وعلى المشهد الثقافي والروائي بشكل خاص. أما موضوع المقال فثقافتنا المنحطة ورواياتنا الضحلة التي لا يجوز الاعتراف بها مصدراً معرفياً في عصر القرود الذي نعيشه. قوام المقالة هو الآتي:
يستشهد صاحب المقالة بعنوان رواية لم أتمكن من قراءته " واي من لوف مزز" ويقول إنها احتلت الساحة هذه الأيام. علماً أني لم أسمع بها قط. وأنا أفترض أن الإقبال على رواية من هذا النوع الذي يصفه لا يمكن أن يكون أنموذجاً للمشهد الروائي العربي. والحال عندي كما هو المشهد الفيسبوكي حين تنهمر أطنان اللايكات على بعض نصوص سقيمة من شأنها أن تتساقط بعد سويعات هي وكاتبها وواضعو اللايكات لها.
وما من شك عندي أن الدائرة الجماهيرية تضيق تباعاً أمام العميق الذي يتطلب شيئاً من جهد ووعي وتنبه أثناء قراءته، وتتسع الدائرة أمام سهل لا يتطلب شيئاً من هذا كله.
لا أختلف مع صاحب المقالة في أن قطاعاً واسعاً من القراء أيضاً لا يبحث سوى عن روايات في الحب والعشق. ولكني أختلف معه حين يجعل من موضوع الحب جريمة في حق المشهد الثقافي الروائي. والجريمة في رأيي تكون في طريقة الطرح الساذجة لا في الموضوع ذاته. فحين أقرا رواية أصفها بالسطحية والمبتذلة، أفعل هذا من خلال كيفية التناول لأنها الأصل عندي في تقييم النص سلباً أم إيجاباً. علماً أني بكثير من الحسرة آسف على نصوص روائية عميقة بأبنية فنية مذهلة تُقتطع منها اقتباسات في الحب بمعزل عما تحمله من إرهاصات لا يجوز إهمالها. وهي اقتباسات يقف وراءها إقبال فيسبوكي يُنحي ما من شأنه أن يُقدم بكل ما يحمله من قيمة فنية ومعرفية لا يجوز إهمالها.
وفي هذا السياق لا أظنني أختلف مع كاتب المقالة في نقده لمواقع نفاق اجتماعي منحت كثيرين فرصة ظهور بأحجام كبيرة غير مستحقة، كما الشمعة يقف أمامها الإنسان ليرى نفسه ظلاً ضخماً، بينما هو على أرض الواقع مجرد إنسان بسيط مسطح. والأجدى في هذه الحالات عدم الالتفات للقطيع؛ فالقارئ الحقيقي من شأنه أن لا ينجر وراء الناس في أحكامهم العبيطة.
أما الطامة الكبرى ومصيبة المصائب التي لا يمكن أن أحتملها شخصياً فحديثٌ جريء عن كاتبة دخلت سن اليأس وبدأت هرموناتها تملي على قلم لها أصبح- بفعل الهرمونات- مجرد خشبة صدئة تنجم عنها روايات لا تعدو أن تكون هراء هرمونياً موجهاً نحو جمهور مراهق.
أستطيع وبكل رحابة صدر قبول فكرة كتابة موجهة لجمهور من المراهقين والمراهقات. ولكن أن تُحال هذه الكتابة إلى هرمونات سن اليأس فهذا هو العيب ذاته.
فمتى كان العمر والسن عامل سخف وترهل؟ بل إن كلمة يأس نفسها المستخدمة هنا تدل على عقلية ميؤوس منها إلى درجة كبيرة. كثيرة هي الأحكام العامة التي تبدأ بمقدمات خاطئة تؤول بالضرورة إلى نتائج مفجعة، وهو ما ينطبق على حكم بأن غلاف الكتاب حين يكون جميلاً فهو الدليل غالباً على قيمة عقلية متدنية، بحكم أن جميل المنظر قبيحٌ في جوهره، وبأن الجمال البصري لا يعدو كونه تعويضاً عن كتابة سطحية.
أما أن تُنعى على دور النشر أخطاء إملائية مؤذية، فلعمري إنني أتفق مع المقال في هذا، في وقت تمنيت فيه لو أن صاحبه قد تجاوز هذه الأخطاء فيما خطت يداه التي لم أتمكن من حصرها لكثرتها.
ما أردت أن أوصله في نهاية الأمر أن الوصول إلى نتائج يُعتد بها يستلزم بالضرورة مروراً بخطوات من الإعداد والتروي والتزود بحدس راق قوامه انغماس في التجربة. أمر يتطلب منا أن نبذل جهداً واسعاً في سبيل الوصول إلى كلمة سواء بيننا وبين من يقرأون، تحول بيننا وبين أحكام عقيمة توصلنا إلى تعميمات غير منطقية فمن ذا الذي يستطيع أن يجزم بأن دبابيس الورق تخرج كلها من مصنع واحد!