الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قبلات لإنقاذ العالم لـ الشاعرة: دوريان لو

ترجمة/ الخضر شودار

2017-02-10 06:19:52 PM
قبلات لإنقاذ العالم 
لـ الشاعرة: دوريان لو

الحدث الثقافي

 

لا تندم على شيء ..

لا تندم على شيء، على تلك الروايات الفظيعة التي قرأتها

حتى النهاية فقط لتعرف من الذي قتل الطباخ.

ولا على تلك الأفلام التافهة التي جعلتك تبكي خلسة في الظلام

بالرغم من ذكائك و حنكتك،

ولا على حبيبك الذي تركته يرتعش بموقف السيارات أمام الفندق،

الذي تلكمه حتى الضحك، أو عند الباب، أو الذي

تركك في فستانك الأحمر و حذائك، أو الذين

يلوون أصابع رجليك، لا تندم على هؤلاء.

ولا على تلك الليالي التي نطقت فيها بأسماء الله

لاعنا أمك، خامدا مثل كلب على أريكة الصالون،

وأنت تأكل أظافرك وحيدا شاعرا بالإنسحاق.

 

كان عليك أن تتنفس تلك الليالي

بقنينة بيرة لا مذاق لها. و أن تشتم معطفك البالي

بأزراره الساقطة، و جيوبه المليئة بأعواد الكبريت.

على أنك مشيت في هذه الطرقات و لا زلت، مع ذلك

تنتهي إليها. لا تندم على شيء من ذلك. و لا على

يوم واحد أردت أن لا تتعلم فيه شيئا.

ولا حين كانت أضواء الكرنفال

هي كل ما تؤمن به من نجوم. تحبها

فقط لأنها عقيمة. بلا رغبة في الأمان.

 

وأنك أوغلت هكذا بعيدا راكبا كل خطيئة،

منبوذا و متذمرا لكن في سكينة كبيتٍ

بعد أن ألقي فيه بالتلفاز

من النافذة. مسالم كفأس مكسورة، خال

من التوقعات. إهدأ إذن. لا تزعج نفسك

بأي من هذه الذكريات. و لتتوقف هنا. تحت إشارة الضوء

على ناصية الشارع. و تأمل جميع العابرين من حولك.

 

قبلات لإنقاذ العالم ..

 

يقبل أحدهما الآخر، على مقعد الحديقة،

على حافة سرير قديم، بمدخل البيت

أو على أرضية الكنيسة. يتبادلان القبل

و الشوارع تمتلئ بالبالونات

أو العساكر، بشجر الخرنوب و ورق الأهازيج، بالماء

أو النار و الغبار. يتبادلان القبل على مدار

القرون تحت الشمس و النجوم، تحت شجرة ميتة،

تحت المظلة، أو مكان مهجور. يتبادلان القبل

و المسيح يحمل صليبه، وغاندي

يترنم بالكلام، أو رصاصة تنحرف إلى

قلب طفل بريئ. يقبل كلاهما الآخر،

طويلا، و عميقا، قبلات واسعة، كاشفين

صمت اللسان، الأدراج الخرساء في أقصى اللهاة،

تائقين إلى الجسد الحي.

 

(...)

أودّ أن أصدق

أنهما يتبادلان القبل لإنقاذ العالم،

لكنهما لا يفعلان. كل ما يعرفانه

هو الإلحاح و الحاجة، وحشان

كأن وجهيهما ورد مسحوق يتفتح

يخفيان أنيابهما، و يبذلان ما في وسعهما

لتخطي المساوئ، يختمان

على أقسى الكلمات، يموتان لأجل

خطايانا. و يمارسان بإتقان أبسط الأفعال

في عالم منهار. يتشبث أحدهما بالآخر. و يبادلان القبل.

 

***

 

ألسنا سوى بدن، من لحم

و بلايين الشرايين النازفة؟

لماذا نموت هكذا، بأفواه

فاغرة، و عيون محملقة، كما لو أن

هناك شيئا نريد أن نراه أو نقوله؟

هكذا خاطبتني الزهرات اليوم،

كانت تمرر في الضوء المائل، و تمطط

شفاهها القرمزية، أجفانها التي تتفتح تحت بصري

كما لو أنها تريد أن تتسلق

بانطالي، و قميصي المجعد، أن تتجاوز

حنجرتي و تلوب حول فمي،

و عيني. أن تغمرني بوهجها الفاغم

 

قل لي أي شيء .. قل حجرا

أنظر إليّ. أنا واقفة على منصة

في عمق أوريغون. هناك

أناس في البيت. ليس بيتي.

و أنت لا تعرفهم.

هم يسكرون و يغنون

و يعزفون على الغيثار. أنت تحب

هذه الأغنية. هل تذكر؟ " أوفيليا"

ألواحٌ على النوافذ، و بريدٌ

عند الباب. كنت أوشوش لنفسي

حتى لا يظنّوني مجنونةً.

لا يعرفونني حقا.

فأين أنت الآن؟ أشعر بالغباء.

أكلم أشجارا، و أوراقا

تدور في الهواء الحالك

و نجوم تومض و تنطفي

من نوافذ في شكل قلب، لقمر نصفه

مضيء و و نصفه قاحل، عالق كفأس

بين غصنين. ماذا أنت

الآن؟ هواء؟ أم ضباب؟ أم غبار؟ أم ضوء؟

ماذا؟ هبني شيئا. عليَّ

أن أعرف إلى أين سيذهب صوتي.

وجهة ما. شيء ما. يحتاج حبي

إلى مكان ليستريح. قل أي شيء. فأنا أصغي إليك.

على إستعداد للإيمان. حتى بالأكاذيب. لا أبالي.

قل إن، شجيرة تحترق. قل، حجرا. هم سكتوا

عن الغناء الآن و أنا أريد أن أغادر.

قل لي إذن، و فورا. إنه أبريل. و أنا

على شارع سبرينغ. و تلك سيارتي الرمادية

على الطريق. هم يضحكون

و يتراقصون. أحد ما

سيظهر عاجلا. ألوّح من بعيد.

أعطني إشارة إذن إن كنت تراني

فأنا وحدي هنا جاثية على ركبتي.

 

سمكة صغيرة بين ضلوعه

كيف لا يمكن أن أتخيل الأورام

التي تتعفن تحت جلده، ذلك اللحم

الذي كنت أقبله ، و أ تحسسه بأناملي،

و أحتك عليه ببطني و نهدي، و في بعض الليالي

كنت أظن أنه من الصعب النفاذ فيه، أن أفتح

ظهره عند العمود الفقري مثلما أفتح بابا أو ستارا

و أتسلل مثل سمكة صغيرة بين ضلوعه،

ثم أنكز بشفتي مرجان دماغه،

ماشطة حناياه الزرقاء

بذيلي الحريري المزخرف.

 

***

 

الماء العذب الذي شربناه كأطفال من العطش

لا زال يجري في عروقنا. و النجوم التي رأينا يومئذ

لا زلنا نراها الآن، قليل منها فقط، نادر، و أكثر ضآلة.

لا زالت تشجينا الألحان القديمة التي تُعزف

بالرغم مما تعلمناه ، من مخاوف الحب،

من البراءة التي أضعنا، من الأدب، و موت الشعراء.

لا زلنا مع ذلك نكلّم، و لو همسا،

شيئا في داخلنا يتوق إلى أن يسمىَّ.

سميناه الماضي ثم سحبناه وراءنا،

كأنه كيس أو رئة مليئة بالقتامة و الغناء،

بالأحلام الشاردة، و مفاتيح أسماء ضائعة.

 

***

 

جاءني الموت ثانية، فتاة

في قميص قطني ، حافية، تقهقه.

ليس الأمر مرعبا تقول،

أو كما تظنينه، كله عتمة

و سكينة. هناك أجراس

و رائحة ليمون، مطر

في بعض الأيام، و في الغالب هواء جاف

و لطيف، أجلس تحت الأدراج

التي بنيت من شعر و عظام، و أصغي

لأصوات الأحياء. تعجبني،

تقول، و هي تنفض الغبار عن شعرها،

بشدة حين يتخاصمون أو يغنون.

 

***

 

كم تمنيت أن أكون تلك الطفلة التي

رأت من نافذتها القمر

فتمنت أن تلتفت إليه و تتساءل.

لم أعجب أبدا. كنت أقرأ. علامات سوداء

تدب حتى حاشية الورقة.

لقد استغرقني أعواما كي أربي قلبا

من ورق و غراء. فأنا لم أكن أملك سوى

مصباح عاكس. في سطوع القمر،

سوى ثقب أبيض يتألق تحت الملاءات.