تترافق زيارة بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاؤه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع حالة من التخبط يعيشها البيت الأبيض تمثّلت باستقالة بعض مستشاري الرئيس ورفضِ آخرين العمل مع الإدارة الجديدة وارتباك ٍفي اتخاذ القرارات وتحديد السياسات الأمريكية تجاه القضايا المحلية والدولية المتشعِّبة.
ولعلّ الاشتباك الدائم بين الرئيس ترامب ووسائل الإعلام الأمريكية هو مثال صارخ على الارتباك الذي تعيشه إدارة ترامب، فلم يَعُد رئيس الولايات المتحدة يحظى باحترام الإعلاميين، ولا يُخفي هو نفسه الحقد على وسائل الإعلام التي باتت تتابع كل شاردة وواردة في تصرفات الرئيس ترامب وقراراته وتوجهاته.
ما أثّر على شعبية ترامب ووفق وصف دقيق للإعلام الأمريكي فإن إدارة ترامب مرتبكة وغير ناضجة مما أثّر على شعبية ترامب إذ وصلت نسبة المؤيدين له إلى 39% بعد شهر واحد من دخوله البيت الأبيض، وهي نسبة غير مسبوقة بين آخر 5 رؤساء أمريكيين، وفي ظل هذه الحالة من الإرباك لمستقبل ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يدرك قدرات ترامب المتواضعة في السياسات الدولية وسطحية تعامله معها وخاصة قضايا الشرق الأوسط ومن ضمنها الصراع العربي- الإسرائيلي والفلسطيني- الإسرائيلي.
فانتزع نتنياهو من ترامب التخلي عن حل الدولتين الذي التزمت به الإدارات الأمريكية منذ العام 2009، وعملت على تحقيقه دون أن تفلح في تجسيد هذا الهدف واصطدامها بالرفض الإسرائيلي، وسياسة حكومة نتنياهو بالتحديد التي ركّزت على تكثيف الاستيطان في الأراضي التي يفترض وفق اتفاقيات وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والإجماع الدولي أنها الأراضي المحتلة عام 1967، التي يجب أن تقوم عليها دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
إن عدم تركيز ترامب على حل الدولتين رغم قوله إنه يدعم عملية السلام وتأييده للخيار الذي يختاره الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) يفتح باب الصراع مجددا ويعيدنا إلى بدايته.
لقد تبنت منظمة التحرير الفلسطينية حل الدولة الواحدة في برامجها السياسية في ستينات القرن الماضي، ولكن دولة واحدة ديمقراطية علمانية على أرض فلسطين التاريخية يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون من أبناء البلد على قدم المساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة.
لكن إسرائيل لم تكترث لهذا الطرح واستمرت في جلب اليهود إلى فلسطين من كل جهات الأرض فيما تُضيِّق الخناق على الشعب الفلسطيني ببناء المستوطنات وسلب الأرض وتغيير الواقع الديموغرافي وإدامة احتلالها للأرض الفلسطينية، وإسرائيل اليوم برفضها حل الدولتين تسعى إلى ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إليها.
ووفق المراقبين والمتابعين للسياسة الإسرائيلية في ظل حكومة نتنياهو اليمينية فإن الضم إما سيكون للأرض والسكان ومنح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية والحقوق والواجبات التي ينص عليها قانون المواطنة وهو ما لا تفكر فيه حكومة نتنياهو بتاتا، إذ كيف ستغرق نفسها في بحر من المواطنين الفلسطينيين الذين يساوي عددهم اليوم عدد اليهود في إسرائيل وسيتجاوز هذا العدد في غضون بضع سنوات ما يترتب عليه تغيير جذري على دولة إسرائيل إن كانت دولة ديموقراطية لكل مواطنيها.
أما الخيار الثاني فيدور حول ضم الأرض دون السكان وحشر هؤلاء السكان في معازل على غرار النظام العنصري في دولة جنوب إفريقيا إبّان حكم البيض لها وهو ما رفضه المجتمع الدولي وفرض مقاطعة على النظام العنصري أجبرته على التسليم بنظام حكم ديمقراطي انتقلت فيه السلطة للأغلبية السوداء في البلد.
وها هي اليوم جنوب إفريقيا دولة رائدة في إفريقيا ينعم شعبها بحياة مستقرّة في ظل مصالحة تايخية وحكم رشيد يتساوى فيه الأبيض والأسود والحلاسي.
إن السيد ترامب برفضه حل الدولتين هو تمهيد لدفن القرارات الدولية وتأييد لنظام الأبرتهايد حتى لو كان يقول بدولة واحدة للجميع، كما أنه يتخلى عن الدور الأمريكي في رعاية عملية السلام وعن تقريب وجهات النظر بين الجانبين التي سعت إليها الإدارات الأمريكية السابقة ليس لمصلحة الفلسطينين فقط وإنما بالدرجة الأولى لمصلحة حليفها إسرائيل.
وهذا بعض ما يربك السياسة الأمريكية الجديدة التي لم تقف بعد على إبعاد وخطورة الصراع العربي الإسرائيلي على الاستقرار في الشرق الأوسط وانعكاسه على السلم الدولي.