الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في الجريمة والعقاب/ بقلم: أحمد زكارنة

2017-02-21 11:44:13 AM
في الجريمة والعقاب/ بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 

لم أكن يوماً ولن أكون إلا في الجهة المناهضة لقمع حرية الرأي والتعبير، لاعتبارات عدة بعيدة كل البعد عن القوانيين والدساتير، ولكنها قريبة كل القرب من خصوصية حالتنا الفلسطينية الباحثة عن الحرية والاستقلال.

 

انطلاقاً من هذا الفهم، أرى أنه لا يجب ولا يستقيم أن نكون ضد الحريات العامة والخاصة، بأي حال من الأحوال، سواء تعلق الأمر بممارسة حق إبداء الرأي والتعبير، أو قارب العملية النقدية لهذه الجهة أو تلك، ولكن السؤال دائم الحضور، يتعلق بمفهوم هذه الحرية وسبل وأدوات التعبير عنها.

 

هنا قد يسأل سائل، وهل من تعريف محدد لمفهوم الحرية؟ سؤال شائك وخطير في آن، ولكن يكفينا الإشارة هنا للمقولة الدارجة: "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، ورغم ذلك علينا أن نبحث عن تعريف آخر أو مقاربة تكون أكثر وضوحاً واستيعاباً لدى شريحة الصحافيين والكتاب والمثقفين والعامة على حد سواء.

 

وفي البحث عن هذا الشكل، علينا أن نتوقف قليلاً أمام كيفية صياغة القوانين والدساتير الوضعية، لنجد أن القانون عادة ما ينبثق عن النظام، والنظام يعتمد على قواعدَ عامة متفق عليها من قِبَل الشعب وهو ما يسمى بالدستور، والدستور أكثر ثباتاً من القوانين والأنظمة ولا يحدث به أيُ تغييرٍ إلا القليل، على العكس من الأنظمة والقوانين، فإنها تتغيرُ حسب الحاجة وحسب المرحلة التي تمر بها الدولة.

 

ولذا يعدُّ القانون أو النظام قديمٌ قِدَم الإنسان، فالقانون هو الذي يحدد الحقوق والواجبات التي على الفرد وللفرد، وهو الذي ينظّم علاقاتِ أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، فكلما كان أبناء المجتمع أكثر وعياً زاد احترامهم للقانون، كونه يحافظ على مصالحهم ويحمي حقوقهم. وهو لا يحافظ على الجماعة فقط، بل يسعى إلى تقدمها وازدهارها، فيحافظ على ما هو كائنٌ ويخطط لما يجب أن يكون.

 

بعض هذه القوانين تعتمد على مرتكزات دينية مستمدّة من الكتب السماوية، والبعض الآخر يستمد نصوصه من نظريات فلسفية مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد الأساسية من الإرث الثقافي والمعرفي والحضاري لهذا المجتمع أو ذاك. وهناك ثالث يجمع بين هذه وتلك.

 

إذن نحن نتحدث عن ارتباط وثيق بين القانون الناظم للمكونات الاجتماعية وتعدد معتقداتها الدينية والفكرية، والبيئة التاريخية والتراثية والثقافية لهذا المجتمع أو ذاك، ما يخلق حالة من حالات العرف المجتمعي لتنظيم العلاقة بين الأفراد والجماعات. وهو ما يقوم به المجتمع بنفسه دون المس بهيبة القانون على قاعدة أن العرف المجتمعي هو العرف الناظم الأهم من القانون ذاته، الأمر الذي مارسه المجتمع إلى حد كبير في حالة الرواية التي منعت قبل أيام في الأراضي الفلسطينية، إذ لفظها وما زال السواد الأعظم من هذا المجتمع، ليس تشجيعاً للقرار، وإنما تأكيداً لحيوية هذا الشعب وتمسكه بأعرافه المجتمعية، وكذا ترسيخاً لفكرة أن الحرية مسؤولية قول وليست فوضى تعبير.

 

وهي "أي الرواية" من أكدت في إحدى حواراتها، كم نخطئ حينما نعطي بعض القضايا أكبر من حجمها، وأكبر مما تستحق على حد تعبير الكاتب، وهو القائل: "تصبح الأشياء أخطر أو أسوأ، لا بقيمتها الحقيقية أو بطبيعتها الخاصة، بل بطريقة تعامل الناس معها، بمبالغاتهم إزاء كل شيء يرفضونه أو لا يحبونه" انتهى الاقتباس.

 

وعليه أدعو النائب العام لرفع الحظر عن هذه الرواية، وتركها لحكم القارئ وهو أفضل من سيقرأ الجريمة ويحدد عقابها.