الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مواقف السيارات بين النظرية والتطبيق

بقلم: خالد البطراوي

2017-02-23 04:22:42 PM
مواقف السيارات بين النظرية والتطبيق
خالد البطراوي

 

 

لا يخفى على أحد أنَّ كافة المدن الفلسطينية –بدرجات متفاوتة– تعاني من مشاكل مرورية تتزايد يوميًّا، وبدأنا نلمس امتداداً لهذه المشاكل في القرى، ومن دون شك فهي أيضا موجودة في المخيمات.

 

ولعل مشكلة مواقف السيارات من أبرز المشاكل المرورية، حيث يسبب الوقوف الخاطئ وعدم استخدام مواقف السيارات المخصصة أزماتٍ مروريةً، وخاصة أوقات الذروة وفي نهاية كل أسبوع.

 

هناك الذاتي والموضوعي في تشخيص مشكلة مواقف السيارات، وهناك الخاص والعام أيضا. لكن مرجعيتنا الأولى يجب أن تكون إلى النظام المعمول به وفقاً للقانون ووفقاً لتعليمات وزارة الحكم المحلي. وهناك ايضا العبء الأكبر على هيئات الحكم المحلي، ومن ضمنها المجالس البلدية والقروية، ولا نعفي المواطن أيضا من ضرورة الارتقاء بمسؤوليته تجاه هذه المسألة.

 

لكن دعونا أولا نضع الإطار النظري المنصوص عليه في قرار مجلس الوزراء الفلسطيني الخاص بنظام الأبنية والتنظيم للهيئات المحلية، ذلك النظام الذي اكتشفت – ولشديد الأسف– أنَّ عدداً كبيراً من أعضاء المجالس البلدية والقروية يجهلونه وعدداً أكبر من بين المواطنين يجهلونه أيضا.


خصص نظام الأبنية رقم (5) لعام 2011 عدداً كبيراً من المواد لموضوع مواقف السيارات (من المادة 24 ولغاية المادية 37). فقد نصت المادة (24) على أنه  "لا يسمح بترخيص أي بناء إلا إذا حددت على المخططات الخاصة به مواقف للسيارات داخل حدود أرض المشروع". وفصلت المادة (25) الحد الأدنى لمواقف السيارات الواجب توفره في المباني السكنية بواقع موقف سيارة واحد لكل شقة باستثناء المناطق السكنية المصنفة (ج أو د أو البلدة القديمة) حيث يشترط توفر موقف واحد لكل وحدتين سكنيتين. وحددت المادة (26) عدد مواقف السيارات في المباني التجارية، بواقع موقف واحد لكل 50 متراً مربعاً من مساحة المخازن والمعارض وموقف واحد لكل 70 متراً مربعاً من مساحة الاستعمالات الأخرى في البناء. واشترطت المادة (27) توفير موقف سيارة واحد لكل 70 متراً مربعاً من مساحة البناء في المباني الصناعية، وموقف واحد لكل 200 متر مربع من مساحة البناء في المشاغل والمستودعات، وبما لا يقل عن موقف واحد لكل خمسة عاملين. ودعت المادة (28) إلى توفير موقف سيارة واحد لكل 70 متراً مربعاً من مساحة البناء في المباني المصنفة كمكاتب. أما المادة (29)، فقد اشترطت توفير موقف سيارة واحد لكل 200 متراً مربعاً من مساحة البناء في المدارس ورياض الأطفال، وموقف واحد للتحميل والتنزيل في المدارس بطول 12 متراً وعرض 4 مترات، وموقف سيارة واحد لكل 50 متراً مربعاً من مساحة البناء في الجامعات والمعاهد، وموقف باص واحد لكل 500 متراً مربعاً من مساحة البناء، وموقف سيارة واحد لكل ثلاثة أسرة في المستشفيات، بالإضافة إلى موقف واحد لكل 50 متراً مربعاً من مساحة البناء، وبالنسبة للدوائر والمؤسسات العامة والمباني الحكومية والمتاحف والمكتبات العامة يخصص موقف سيارة واحدة لكل (50)م² من مساحة البناء، أما بيوت العجزة والملاجئ يخصص موقف سيارة واحدة لكل (100)م² من مساحة البناء. وحددت المادة (30) عدد مواقف السيارات في المرافق السياحية على النحو التالي:


الفنادق وتخضع للأحكام الآتية:


أ. الفنادق من الدرجة الممتازة، تخصص سيارة واحدة لكل غرفتي نوم.
ب. الفنادق المحلية من الدرجه الأولى (4) أو (5) نجوم، تخصص سيارة واحدة لكل ثلاث غرف نوم.
ج. الفنادق المحلية من الدرجة الثانية (3) نجوم فما دون، تخصص سيارة واحدة لكل أربع غرف نوم.
د. الشقق المفروشة والسياحية، تخصص سيارة واحدة لكل (100)م² من مساحة البناء.
هـ. مكاتب الإدارة والمحاسبة في الفنادق، تخصص سيارة واحدة لكل (50)م² من مساحتها.
المطاعم وقاعات الاجتماعات والمؤتمرات والأفراح، تخصص سيارة واحدة لكل (20)م² من مساحة البناء.
دور السينما والمسارح، يخصص موقف سيارة واحدة لكل عشرة مقاعد، بالإضافة لموقف باص واحد لكل ثلاثمائة مقعد.
النوادي والملاهي، يخصص موقف سيارة واحدة لكل (50) م² من مساحة البناء، بالإضافة لموقف باص لكل (500) م² من مساحة البناء.
الملاعب والأماكن الرياضية العامة "إستاد": موقف سيارة واحدة لكل عشرة مقاعد، بالإضافة لموقف باص واحد لكل (500) مقعد.

إذاً، فإن النظام –رغم وجود رأي هندسي خاص بي يدعو إلى أكثر من ذلك– يُفصِّل وبشكل مستفيض كيفية احتساب مواقف السيارات، ويدعو إلى عدم ترخيص الأبنية من قبل المجالس البلدية والقروية في حالة عدم توفر مواقف السيارات، الأمر الذي تتغاضى عنه الكثير من هذه الهيئات، إما بالتغاضي الكلي، أو التطبيق الجزئي لبنود النظام، وذلك لغايات سنوردها أدناه.

 

وحددت المادة (31) شروطاً هندسيةً تتعلق بأبعاد مواقف السيارات والممرات المؤدية اليها، وذلك لتأمين سهولة دخول وخروج كل سيارة دون أية عرقلة، حيث يجب أن تتوفر الشروط الآتية:

أن لا يقل طول موقف السيارة عن (5.5م) وعرض الموقف عن (2.5م) وطول موقف الباص عن (12م) وعرضه عن (4 متر).
أن لا يتعدى انحدار الممر الخارجي "الرامب" عن (20%).
ربط الممر الخارجي بالمسطحات الداخلية وبالطرق الخارجية بأقسام لا يزيد انحدارها عن (10%) وبطول من محور الممر قدره (5) أمتار على الأقل.
أن يؤمن ارتفاعاً حراً على كامل عرض الممر الخارجي قدره (2م) على الأقل.
أن لا يقل عرض الممر الخارجي عن:

أ. (3.5) م لمواقف السيارات التي لا تزيد عدد السيارات فيها على (30) سيارة.

ب. (5.25)م لمواقف السيارات التي يزيد عدد السيارات فيها عن (30) سيارة. وفي حال تأمين مدخل ومخرج مستقلين يطبق البند (أ) من هذه الفقرة على كل منهم.

-    أن لا يقل نصف قطر المنعطف الداخلي عن (4م)، ولا يقل نصف قطر المنعطف الخارجي عن (8م).

-    أن لا تتعدى بداية الممر الخارجي خط البناء الأمامي باتجاه الشارع.

-   أن لا يتعدى انحدار الممرات الداخلية التي يسمح بوقوف السيارات على جانبيها عن (5%) وأن لا يقل عرضها عن:

     أ. (4م) إذا كانت السيارات متوقفة باتجاه موازي للمر.

    ب. (5م) إذا كانت السيارات متوقفة باتجاه يشكل زاوية (45) درجة مع اتجاه الممر.

    ج. (6م) إذا كانت السيارات متوقفة باتجاه يشكل زاوية قائمة مع اتجاه الممر.

-   يجوز للجنة المختصة قبول مواقف مسقوفة للسيارات في الارتدادات الجانبية فقط، وبعد حد الارتداد الأمامي شريطة أن لا يقل عرض الموقف عن (2.5م) ولا يقل طوله عن (5.5 م).

-   يجوز للجنة المختصة قبول مواقف مكشوفة للسيارات في ساحات أمامية أو جانبية أو خلفية بما فيها الارتدادات.

 

ونحن هنا أمام مواصفات هندسية تقنية متخصصة تهتم لها قلة قليلة من الأقسام الهندسية في الهيئات المحلية، وحتى لو اهتم لها البعض فإنهم لا يتأكدون من دقة تنفيذها من قبل أصحاب العمارات من خلال مفتشي الأبنية، حيث تتحول المنحدرات المؤدية إلى مواقف السيارات إلى منحدرات حادة يستحيل معها دخول وخروج المركبات.

 

لكن النظام الذي يدرك بعض الحقائق العلمية قد راعى في مادته (32) عدم توفر الإمكانيات الفنية أو الإنشائية لتأمين العدد المطلوب لمواقف السيارات وفق أحكام النظام ضمن حدود قطعة الأرض؛ فأعطى المجلس البلدي أو القروي الحق في ترخيص البناء، شريطة أن لا يقل عدد المواقف المتوفرة عن (70%) من العدد المطلوب لكامل البناء بعد دفع رسوم بدل المواقف غير المتوفرة. أي أنَّ النظام اشترط توفر على الأقل 70% من العدد المطلوب بأيِّ حال من الأحوال.

 

ومع ذلك عاد النظام المرن وذكر في مادته رقم ( 33) أنه "في حال عدم توفر الإمكانيات لتأمين العدد المطلوب لمواقف السيارات، بسبب وجود بناء قائم، للجنة المختصة أن ترخص البناء بالعدد المتوفر من مواقف السيارات بعد دفع رسوم بدل الموقف غير المتوفرة". وهنا اشترط النظام أن هذه الاستحالة مردها وجود بناء قائم على القطعة يراد البناء فوقه.

 

وجاءت المادة (34) لتقول وبشكل قاطع أنه: "لا يحق بأيِّ حال من الأحوال لأيٍّ من المجالس البلدية أو القروية ترخيص أيِّ بناء دون توفر مواقف السيارات، وفي مثل هذه الحالات عندما يوجد استحالة مطلقة لتوفير مواقف السيارات، فإن دراسة الحالة تتم فقط من المجلس البلدي أو القروى وترفع توصياتها إلى اللجنة الأعلى منها لتأخذ قرارها.   

 

وراعى النظام أيضا في مادته (36) أنَّ هناك بعض مباني قائمة أو مزمع تشييدها تتصل بالطريق العام بدرج عام أو ممر عام يقل عرضه عن 3 متر، أن يتم ترخيص البناء دون اشتراط توفر مواقف سيارات أو دفع بدل مواقف سيارات.

 

لكن ماذا إذا لم يتوفر العدد المطلوب من مواقف السيارات كما فصلنا أعلاه، حيث اشترط النظام دفع رسوم بدل مواقف سيارات أقلها 3500 دينار، وأعلاها 7000 دينار عن كل موقف سيارة لم يتم تأمينه.

 

وتشترط المادة (35) من النظام تخصيص "المبالغ التي تستوفى عن مواقف السيارات غير المتوفرة لغايات إنشاء مواقف عامة للسيارات، وتودع في صندوق خاص لهذه الغاية".

 

وهنا أيها ألاحبة سأبدأ بالإجابة على سؤال: لماذا تتغاضى بعض هيئات الحكم المحلي -أي المجالس البلدية والقروية- عن التقيد التام والحديدي بالنظام، وتقوم بترخيص بعض الأبنية رغم عدم توفر العدد المطلوب من مواقف السيارات؟

 

هناك طبعا عدّة اعتبارات أولها العلاقات الشخصية والقرابة والنسب والعلاقات السياسية، وهناك رغبة من بعض المجالس في رفد صندوق البلدية بالنقود، حيث أنَّ كثيراً من هذه الهيئات لا تودع ما يتم استيفاؤه من رسوم بدل مواقف السيارات في صندوق خاص لإنشاء مواقف عامة مسقبلاً، وإنما في الصندوق العام للبلدية، ولا يوجد – على ما يبدو– من يدقق ذلك من قبل هيئات التدقيق الرسمية التابعة لوزارة الحكم المحلي.

 

تحدثنا أعلاه عن دور المجالس البلدية والقروية، فماذا عن المواطن؟

المواطن المستثمر لا يريد تأمين عدد مواقف السيارات المطلوب، رغم أنَّ ذلك يساعده في الترويج لمشروعه، ولا يريد أيضاً أن يدفع رسوماً بدلاً لمواقف السيارات. وحتى لو قام بتوفير مواقف السيارات، فإنه إما سيغلقها مستقبلاً، أو يقوم بتحويلها إلى محلات تجارية، أو يحولها إلى مواقف سيارات بالأجرة، بالرغم من أنَّ نص المادة (37) من النظام واضح وصريح، ويقول أنه "في حال رغبة طالب الترخيص بعمل مواقف سيارات بالأجرة، لا يحسب عددها ضمن العدد المطلوب للبناء"، ومن هنا يتضح أنَّ الأصل أن تكون مواقف السيارات مجانية، وأن تراقب المجالس البلدية والقروية ذلك، وأن تلزم أصحاب المشاريع بمجانية مواقف السيارات.

 

أما المواطن العادي، فإن أغلب أصحاب الشقق يفضلون ركن سياراتهم أمام مدخل العمارة الرئيسي وليس أسفل العمارة في طابق الكراجات، لانعدام ثقافة استخدام مواقف السيارات من ناحية، وربما لعدم تأهيل مواقف السيرات تأهيلاً كاملاً من ناحية أخرى.

 

أمام هذا الخليط من التناقضات، والبون الشاسع ما بين نظام الأبنية وتطبيقاته من كافة الأطراف، ما العمل كي لا نشهد تفاقماً للمشاكل المرورية؟

 

نحن بحاجة إلى حالة استنهاض على مختلف الأصعدة الرسمية وغير الرسمية، وبحاجة أيضاً إلى مُساءلة واضحة للمجالس البلدية والقروية، حتى لو وصل الأمر إلى التقاضي جزائيًّا، وأيضا نحن بحاجة إلى إطار قانوني ناظم وآليات لإرغام المستثمر على تطبيق النظام في المخططات الهندسية -وهذا موجود في الغالب- وأثناء التطبيق.

 

أولى الخطوات السريعة تتجسد أولاً في القيام بحملة شاملة لكافة مواقف السيارات في الأبنية لجعلها مجانية، وهذه مسؤولية المجالس البلدية والقروية بالتعاون مع الجهات التنفيذية، وثاني هذه الخطوات إشهار صريح لكل مجلس بلدي وقروى أولاً عما إذا لديه صندوق خاص لبدل مواقف السيارات، وثانياً كم بلغ رصيده؟، وثالثاً كم عدد مواقف السبارات المجانية التي وفرها من ريع هذا الصندوق؟.