كانت مؤلمة تلك المشاهد التي بثها الإعلام بشأن رحيل ما يقارب 300 مسيحي من سيناء بعد سلسلة الاعتداءات التي طالتهم ولم تكن الأولى؛ فقد ضرب الإرهاب مسيحيي سيناء في عام 2011 في كنيسة مارجرجس ومن ثم في عام 2012، الذي شهد توزيع قصاصات على مسيحي رفح المصرية جاء فيها: "أيها النصارى، ارحلوا من هنا، أمامكم 48 ساعة. قد أعذر من أنذر، ولا تلومنّ إلا أنفسكم." ومن ثم تصاعدت وتيرة الاعتداءات لتطال النهب والسرقة وخطف المسيحيين وقتلهم، إلى أن وقعت خلال الاسبوعين الماضيين موجة منظمة من قبل تنظيم داعش فرع ولاية سيناء تستهدف مسيحيي سيناء نجم عنها مقتل 7 مسيحيين.
والنظر إلى الأمر من منظور طائفي لن يسهم في تأجيج حالة من الصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، ذلك أن ما يحدث من اعتداء على المسيحيين في سيناء لا يجب أن ينظر له بمعزل عما يجري في المنطقة، وبمعزل عن التصريحات التي يدلي بها وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية في سيناء، أو بمعزل عن التصريحات السياسية التي يتم إطلاقها لضم الضفة الغربية، ولا بمعزل عن تدخل الطيران الإسرائيلي وتحليقه في الأجواء المصرية لضرب تنظيم داعش في سيناء كما يدعي، أو بمعزل عن قيام الجيش المصري بتفريغ العريش ورفح من سكانها، ولا بمعزل عن تدمير الأنفاق على الحدود مع غزة.
كلها تشترك في صيغة واحدة تقوم على اساس ما يتم التسويق له دوليا من امكانية تبادل للأراضي ما بين الضفة ودولة الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء.
الأمر يستدعي تفريغ سيناء من أهلها مسيحيين ومسلمين، إذ أن الاعتداءات على اهالي سيناء من قبل تنظيم داعش لا تطال المسيحيين وحدهم، وإنما تطال كل سكانها المصريين البالغ عددهم ما يقارب 550 ألف نسمة.
لكن خصوصية المسيحيين في الشرق قد تستدعي في وقت ما إبرازها كورقة ضعف وضغط على عبد الفتاح السيسي، باعتباره غير قادر على حماية المسيحيين، وبالتالي يستلزم الأمر ارسال بعثة قوات دولية للتدخل، كما جرت عدة محاولات لذلك في العراق ورفضها مسيحيوها من منطلق رفض التدخل الأجنبي.
سيناء كانت وما زالت طريق حج الكثير من المسيحيين منذ القرن السادس الميلادي حين كانوا يعبرونها إلى القدس، وكانت ملجئهم من الطغيان الروماني حين احتمى فيها الموحدون الأوائل في القرن الرابع الميلادي، وسيناء وأهلها من المسيحيين والمسلمين لن يكونوا جسر العبور لتمرير المخططات التي يتم رسمها لإنهاء وتصفية قضيتنا.