الحدث
تقبل علينا النكبة بذكراها مثقلة بسني عمرها الـ66، فتذكرنا قصرا لما حملت لنا من مآسي وويلات فتعيدنا مرغمين إلى حكايات التشرد وسكن الخيام وبيوت اللبن والطين وتضييق وظلم ذوي القربى، تذكرنا كيف تشتت شمل العائلات في الدول العربية فبات الكل غريب وسط الكل الفلسطيني المصدوم.
في كل عام نزداد تمسكا بحق عودتنا إلى ديارنا
أرادوا قهرنا وإذلالنا، فكان رهانهم أن كبيرهم يفنى وصغيرهم ينسى، لكن الذي حصل هو العكس فكبيرنا زرع في الصغير بزرة حب فلسطين واستبدلها بسويداء القلب فباتت فلسطين تمتلك القلوب.
في كل عام يزداد الفلسطينيون تمسكا بحق العودة إلى ديارهم وبيوتهم التي أخرجوا منها لأن عنوان كرامة الفلسطيني عودته إلى بيته وإلى بيارة الليمون وحاكورة الزيتون، إلى البئر الشتوي الذي رسمت على صفحة مائه آخر ملامح الطفولة وسقطت فيه آخر الدمعات.
كرامة الفلسطيني اليوم تكمن في تحقيق وصية الآباء والأجداد في حمل الرفات إلى حيفا ويافا واللد والرملة وكل قرى الجليل والمثلث والنقب، ونعيد دفنها عند جذر البهية أو أم الحسنات أو السعدية وهي تسميات لشجرات زيتون رومانية عمرها من عمر أهل فلسطين في أرضهم أي منذ آلاف السنين.
الفلسطيني انفتح على الآخر ولكنه لم يفرط بإرثه الحضاري
وعز الفلسطيني اليوم أنه لا زال يتمسك باللهجة الفلسطينية وبالعادات والتقاليد في الأفراح والمآتم، الفلسطيني انفتح على الآخر يتعلم منه ويعلمه ولكنه لم يفرط بالإرث الحضاري الفلسطيني. لذلك فإنك ترى الثوب الفلسطيني في كل المناسبات والكوفية باتت عنوان نضال، والأكلات الشعبية الفلسطينية دخلت كل البيوت العربية كل ذلك لأن أبناء فلسطين يفتخرون بماضيهم ويتمسكون بحاضركم ويبنون للمستقبل.
سنواتك عجاف أيتها النكبة، لكن عليك أن تعلمي بأن التهجير لوعنا لفقدنا الهوية لكنه صلب الزنود الفتية وبيوت الزنك أضحت مقالع للرجال السائرين بركب العلم والنضال وأزاحوا عن الفلسطيني صور المنكوب الزليل والمستعطي المحتاج.
الأطفال يحملون لافتات كتب عليها اسماء قراهم
في كل عام يحيي فلسطينيو الشتات هذه الذكرى الاليمة بمسيرات كرنفالية للاطفال والشباب الذين يلبسون الزي الفلسطيني ويحملون اسماء قراهم التي تهجر منها الاباء والاجداد في هذه المسيرات التي تعم كل المخيمات والتي يتم التحضير لها لعدة ايام تتمازم الاعمار فترى الاطفال يسيرون ومعهم الشباب ويرافهم الرجال والنسوة والشيوخ في تعبير غير مقصود لتكامل الحالة الفلسطينية حيث يسلم الاباء الامانة الى الابناء والاحفاء بطريقة احتفالية وامام كل العالم يتسلم الاطفال الراية والبندقية في تلازم لا انكاك له الا اذا عدنا الى قرانا التي هجرنا منها في العام 1948 .
هذه الطفلة تالا حسن عطية من بلدة الجاحولةفي شمال فلسطين عمرها خمس سنوات تقول عند سوالها شو في اليوم فتجيب باصرار و عناد متل اليوم تهجر جدي وستي من بيتهم ، اليوم هو ذكرى النكبة ولما سالتها ليش طالعين كل الاطفال وليش لابسين هيك قالت بان الاطفال طلعو عشان نقول بالروح بالدم نفديك يا فلسطين هيك قالتلنا المعلمي وانا لابسة توب فلسطين .
اما اسيل لوباني فكانت كلماتها اكثر عمقا " انا من سعسع يلي اليهود عملو فيها مجزرة وقتلوا اهلنا وكحشوهن من بيوتن واجو هون على لبنان واحنا بدنا نرجع على بيتنا واضافت ستا لامي بتضل تحكيلنا عن فلسطين ونحنا بنحبها لفلسطين".
الصبية فاديا رياض الاشقر ترتدي الثوب الترثي الفلسطيني وتتماهى به متفاخرة اخبرتني بانها كانت تنتظر منذ ستة ايام هذا اليوم لتعبر عن غضبها تجاه من سرق الارض ويحاول بشتى الطرق سرقة كل ما هو فلسطيني لذلك اختارك ان تعبر بلبسها للزي الفلسطين بان لشعبنا تراث عريق وثقافة خاصة وتاريخ مجيد .
أحمد جميل الحسن من بلدة علما الفلسطينية على الحدود مع لبنان يقول قريتي لا تبعد على حدود لبنا سوى كيلو مترين ويمكن مشاهدة انوار بيوتها بالعين المجردة ليلا واذا كانت امي تطحن السعتر يمكن كانة بصور يشمو رائهته ولكن للاسف خرجت من هناك وكان عمري لا يتجاوز السنتين يعني عمري من عمر النكبة وصدقني اذا قلت لك باني لم اهنأ يوما من حياتي فكل عمري ترحال بين المخيمات وكأنه مكتوب علينا نحن الفلسطينيون ان نبقى في حالة تشرد دائم وترحال فانا تنقلت بين مخيمات تل الزعتر والدامور والبداوي والبارد ولا اعلم اين تحط بي الرحال وعن مشاركته في كرنفال الاطفال يقول لقد جئت ملبيا الدعوة كي اطمئن على مستقبل قضيتنا لان الأطفال والشباب هم الأمل وبهم سنكمل المشوار وهم من سوف يعون لذلك يجب ان نرسم في ازهانهم خريطة الدار و نعبد لهم بالفكر ملامح الطريق الى قرانا في فلسطين.
الحاج محمد الحاج حسن من قرية شعب اخبرني كيف ترك قريته وهو يحمل السلاح وبانه عندما وصل الى لبنان التحق هو ومجموعة كا برفقتها بجيش الانقاذ وعادوا مرة اخرى للقتال في فلسطين ولكن بعد فترى عاد الى لبنان ماشيا منكسرا لان الجيوش العربية لم تكن تحارب من اجل استرجاع فلسطين وانما من اجل ترسيم حدود دولة الكيان الصهيوني المزعوم عدت الى لبنان من الرميش ولم اكن اتوقع ان تطول اقامتنا هنا ولكن ورغم كل سنوات غربتنا عن الديار الا ان الامل بالله وبالعودة لا زال يملا قلبي لقد توفي غالبية اقراني ولم يبقى الا القليل من الختيارية الا انني لازلت انتظر ان اعود الى شعب ولو ليوم واحد او حنى لساعة وبعدها اموت واذا متت في لبنان فذلك قضاء الله وقدره .
لقد شاخت نكبتنا وطالت غربتنا فهل باتت العودة قريبة كي نخمد لهيب الفراق للأرض والبيت والأحبة هي الأمنيات التي ملأت قلب جدي قبل وفاته وها هي تتلاعب في رأس والدي متمنيا أن تتحقق قبل أن توافيه المنية وهو الذي بات يدق أبواب السادسة والثمانين عاما، وتبقى الدمعات تسابق الكلمات لمن تقدم به العمر وبات أمله بالعودة يسابقه مع مرور الأيام، ولكنه العزاء لهم بأنهم شربوا من مائها وتظللوا بسمائها وعفر وجوههم ترابها. وتبقى الوصية بأن فلسطين لنا ولن نرض عنها بديلا.