بقلم - فارس الصرفندي
من قال ان الثوار يموتون؟
يموت الجسد وتبقى الفكره صداها يفوق ما يصنعه الجسد.
الفلسطينييون اليوم ليسوا بحاجة ان يقراوا تاريخ جيفارا وهوشي منه ومانديلا وغيرهم. والسبب لانهم يملكون نماذج لا تقل ثورية عن هؤلاء.
الثوري الذي سقط على ارض مدينة البيره زاوج بين البندقية والفكره فلما سقطت البندقية صعدت الفكرة الى الشمس تساعدها على السطوع في وضح النهار ...باسل الاعرج الصيدلاني المثقف صاحب نظرية (ثقافة الاشتباك ) في ذمة الله شهيدا بعد اشتباك حقيقي لا على الورق مع مئات الجنود استمر لساعتين ...باسل الذي توارى عن الانظار كان يعلم ان ما خطته يداه وحاضر به امام الحركة الشبابية الفلسطينية لن يصبح (نظريات ) الا اذا طبقه بالحذافير على الارض.
في كلية القانون في جامعة النجاح قال لنا استاذ القانون العام ارجو ان تكتبوا اوراقا عن الفارق بين النظرية والتطبيق، لكن نظريات الثوار لا فارق بينها وبين التطبيق او هذا ما اراده باسل الاعرج وكان له ...حتى في الوصية التي كتبها الشاب فلسفة انا على ثقة بانها ستدشن يوما في سفر من الاسفار
((ان كنت تقرا هذا فهذا يعني اني قد مت وقد صعدت الروح الى خالقها ))وها نحن نقرا ما كتبت لكنك الان حي ونحن الاموات ((لكم من الصعب أن تكتب وصيتك ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن اسئلة الشهادة)).
كم من الصعب ان تكتب كلماتك الاخيره في ساعتك الاخيره في مكانك الاخير قبل ان تحتضن الموت وكانه طفلك الذي تشتاق اليه منذ سنين ...واسالك هنا ايها الباسل هل للموت صوت هل له اياد وارجل هل له رائحة تشبه رائحة البارود ام كرائحة المسك المعبىء في اكمامك وفي جعبة الرصاص التي حملتها.وكيف جعلك الموت بليغا فهل البلاغة لها مكان في ركنك الحصين والنار تحيطك من كل مكان وهل الشهادة تشفي غليل الثائر الذي بحث عن اجوبة على مدار تاريخ حمله للبندقية
((أن ما اقعدني عن هذا هو سؤالكم انتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم فلتبحثوا انتم أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله)) عذرا يكفينا من الاجابة ما اجبت بجسدك ويكفينا من النظريات ما كتبت بدمك كم هي لغة اصحاب القبور بليغة لانها لغة لا يفهمها الا من باع دنياه وعرضها باخرة وجنة عرضها السماء والارض ...صورة البندقية والقلم والورقه وحاجيات باسل الاعرج مجتمعة ترسم لوحة لصاحبها.
حتى العشب الذي داسته اقدامهم وهم قادمون للمعركة عاد ليقف شامخا وكانه يقول لهم ان بيصيلاته والجذور عاهدت باسلا ان لا تنحني وان تظل في المكان ...حتى الحمائم التي كانت تنقل لك الاخبار وانت في زاوية بين الاحياء ولست منهم جاءت تحمل لمن اقنعتهم بافكارك الاخبار للمرة الاخيره.
هديلها ايقظ النيام في زمن الانهزام والتراخي والتهاون والمهادنة ...لو كانت روايتك فلما اجنبيا لقلنا ونحن نشاهده انه من صنع الخيال العلمي لو كانت حكايتك في الكتب نقراها لقلنا اسطورة بالغ الكاتب في تمجيد بطلها ...لكنك لست رواية ولا فلما وانما انت حقيقة فكيف لنا ان لا نصدق اعيننا ام ان على العين غشاوة.
انت لست انت اليوم انت ايقونة يرسمها كاهن في كنيسة قديمة مررت عنها يوما وانت تمر على بلادك وتقبل حجارتها وكان اولى بها ان تقبل اقدامك ... انت قديس انحنى امام الخالق راكعا لدهر فكان له كرامة نشرت السلام بين العباد ...لا عجب انك ترحل وتصنع من الرحيل والغياب حضورا دائما لا ينقطع ولا ينتهي .