هي قطعة أرض مساحتها 2500 دونم، تقع عند أطراف بلدة العيزرية شرقي القدس. سبق أن أهداها ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال للبابا بولس السادس حين قام الأخير بزيارته الشهيرة للقدس والأراضي المقدسة في العام 1964، والأرض منذ ذلك الوقت ملك للفاتيكان، وهي قريبة جدا من جبل الزيتون حيث بدأت رحلة الآلام بحسب الاعتقاد المسيحي.
وتتمثل الأهمية الوطنية والاستثنائية لهذه الأرض/ الجبل، في أنها وسكانها من عرب الجهالين، الذين لا يزيد عددهم عن 400 نسمة، باتوا يشكلون خط الدفاع الأول أمام تنفيذ المخطط التوسعي الاستيطاني لضم منطقة E1، وهي الشريط الذي يربط بين التجمع الاستيطاني معالي أدوميم وملحقاتها، ومدينة القدس، ثم ضم كل المنطقة الممتدة من القدس حتى مشارف أريحا، مما سيؤدي حتما إلى فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها، ب"كوريدور" استيطاني وجغرافي يقضي نهائيا على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
كل عناصر القضية الوطنية الفلسطينية حاضرة بقوة في هذا الجبل: عرب الجهالين هم لاجئون جرى تهجيرهم من وطنهم وأراضيهم في النقب، وشردوا بعدها عدة مرات، الاستيطان يتمدد، القدس تُحاصَر وتُهَوّد، حملات التنكيل والقمع وهدم البيوت حيث هدم نحو 47 بيتا وألقي بالعائلات في العراء وتحت المطر، حل الدولتين وفرصة قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والمتصلة في مهب رياح الاستيطان، المقاومة الشعبية في أبهى صورها، والصمود البطولي لفلسطينيين يلاحقهم الاحتلال وينغص حياتهم اليومية فيحرمهم من مصادر رزقهم ومراعيهم ومصادر المياه الشحيحة أصلا.
صحيح أن ثمة تفاهمات أميركية إسرائيلية، وإسرائيلية أوروبية بتجميد أو الامتناع عن ضم المنطقة E1، لكنها تفاهمات قديمة قد تعصف بها التحولات الجارية في أميركا وإسرائيل والمنطقة، ويبقى الرهان فقط على قدرة الفلسطينيين على إحباط هذا المخطط.
يؤكد الناشط عطا الله مزارعة الناطق باسم التجمع، أن السكان لن يقبلوا بتهجيرهم إلى اي أرض بديلة مهما كانت الضغوط والإغراءات، وأنهم كلاجئين لن يقبلوا إلا بالعودة إلى أرضهم الأم في النقب، ويبدي دهشته من معرفة واهتمام دوائر أوروبية واسعة، منها حكومات وأحزاب وكتل برلمانية وحركات شعبية، بقضية جبل البابا وعرب الجهالين، مقابل فتور ولا مبالاة فلسطينية وعربية. ويشير عطاالله إلى الدعم الذي تقدمه محافظة القدس ووزارة شؤون الجدار والاستيطان، وفريق دعم المفاوضات، لكن الحركة الجماهيرية شبه غائبة عن هذه المواجهة، والإسناد الشعبي الفصائلي والمؤسسي محدود جدا. حملة (آفاز) الأليكترونية للتضامن مع عرب الجهالين جمعت قرابة مليون توقيع، غالبيتها الساحقة من أوروبا، بينما المشاركة الفلسطينية والعربية رمزية.
يؤكد عرب الجهالين أنهم ليسوا مساكين لكي ينظر إليهم بعين الشفقة والإحسان، صحيح أن أطفالهم يضطرون لقطع عدة كيلومترات تحت المطر وفي لهيب الصيف أثناء ذهابهم وإيابهم إلى مدارسهم، لكنهم قبل ذلك مواطنون ووطنيون فلسطينيون، يخوضون معركة البقاء والوجود، ويواجهون أخطر مخطط استيطاني. وهم بحاجة إلى إسناد حقيقي جماهيري وسياسي وإعلامي، رسمي وأهلي وشعبي، وهم في أمسّ الحاجة إلى ما يعزز صمودهم، ويؤكد قناعتهم بجدوى صمودهم ومعاناتهم، ولا شك أن كل فصائلنا ومؤسساتنا مطالبة بالقيام بما يبدد الاعتقاد أن الصامدين في جبل البابا يخوضون معركتهم نيابة عن باقي قطاعات الشعب الفلسطيني.
لقد انشغلنا لوهلة، ربما لأسابيع، بفكرة القرى الرمزية كباب الشمس وأحفاد يونس وبوابة القدس، وحشدنا لها كل قادة الفصائل، ورموز العمل الأهلي والكاميرات والفضائيات، لكن المسألة مرت مثل الألعاب النارية، ملأت السماء ألوانا وضياء وانطفأت كأنها لم تكن. بينما نحن في جبل البابا إزاء تجمع سكاني حقيقي، سكانه بشر من لحم ودم، نساء ورجال وأطفال وشيوخ، أناس من شعبنا، وتعزيز صمودهم وبقائهم يحتاج إلى أفعال وبرامج واقعية ملموسة، لا إلى خطب رنانة.
بقيت ملاحظة أخيرة، وزارة الحكم المحلي أو جهة ما ذات صلة بالانتخابات، ألحقت سكان التجمع، من دون علمهم، بالسجل الانتخابي لبلدتي العيزرية وأبو ديس، فلماذا لا تنشأ لهم وبشكل استثنائي، هيئة محلية تدير شؤونهم حيثما هم مرابطون، لا سيما ونحن على أبواب انتخابات محلية من أهدافها معالجة المشكلات الحياتية للمواطنين وتعزيز صمودهم؟