الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحلقة المفزعة/ بقلم: نور عودة

وعَلامَةُ رَفْعِهِ الفِكْرَةْ

2017-03-22 01:29:57 PM
الحلقة المفزعة/ بقلم: نور عودة
نور عودة

 

من قال إن الاختلاف مع جهة يعني معاداتها؟ ببساطة، طبيعة العلاقات في ساحتنا السياسية هي من رسخت هذا المفهوم الخاطئ بأن الاختلاف يعني الخصومة والخصومة تتطلب العداء وأسهل الطرق للحفاظ على العداء هي التخوين بالقول أو الإيحاء.

 

وهذه الحلقة المفرغة والمسمومة تقتضي أيضاً الادعاء بامتلاك الحقيقة فالطرف الذي ننتمي إليه بالضرورة هو أبو الوطنية والنضال والرصاص والرصانة والتضحية وغيرها من السمات التي ننتقصها من مخزون "الآخر" الشقيق أو ننفيها تماماً حسب منسوب العداء وحدة وتيرة الاشتباك الافتراضي الدائر، حتى أننا يمكن أن نذهب بعيداً فنتهم الآخر بالخيانة وامتلاك "الأجندات الخارجية" أو حتى الارتزاق. لماذا؟ لأننا تعودنا على الصراخ بديلاً للحوار حتى أننا لا نتعب أنفسنا في استحضار الحجج المقنعة للدفاع عن موقفنا. وهكذا هي الحلقة المفرغة: الدفاع هجوم والهجوم دفاع ويغرق المجتمع في أتون من الصراخ والاتهامات وهجوم الأنا على نفسها، ظناً منها أنها تستطيع العيش بدون قرينتها. يا ويلنا من أنفسنا!

 

نعيش أزمة عميقة هي في الحقيقة نتاج إرث من التراخي في المسؤولية والقدرة على إنتاج الأفكار في القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية والقفز عن هذا العجز بالاكتفاء بكيل التهم والشتائم للخصوم الذين إما يعانون ذات الأزمة أو أنهم يفتقرون لمن يقدمها بشكل مقنع فيكتفون بتبادل الصراخ والتهم. هذا الإرث رسخ تقاليداً خطراً للاختلاف السياسي والصراع بين الأقطاب التي تفتقر بمجملها لخطة واضحة أو بديلة لما يرون أنه قد فشل.

 

أبطال هذه الحلقة المفزعة من الاتهامات وجولات الصراع البيانية هم الأحزاب والفصائل السياسية التي ارتضت أن تمضي العقدين الماضيين أو يزيد في حالة خمول فكري عميق نشط فيه احتراف المعارضة اللفظية وشحن المشاعر وصقل وعي جمعي يترسخ فيه تعريفٌ ل"نحن" و"همْ" يقوم بالضرورة على الصدام حتى العداء. وفي هذا الوعي الجمعي المشوه نكون نحن ضد أوسلو لكن ننخرط في العمل في المؤسسات التي نتجت عنها والتي نتهمها بالعمالة ونكون نحن ضد منظومة مصالح أوسلو ونتهم القائمين عليها بالخيانة والعار، ثم نغسل العار بفلسفة أيديولوجية فندخل في معترك منظومة المصالح تلك ونظفر بها أو بجزء بسيط منها، وحينها فقط نتمسك بجزئيتنا عنواناً للشرعية بينما نصر أن حجمنا وقدرنا أكبر مما حددته عمليات أوسلو الانتخابية وذلك لنظفر بما هو لنا أو لغيرنا من مكتسبات أخرى في إطار أم الشرعيات، منظمة التحرير الفلسطينية. أما إن كنا نحن هو الآخر أو "هم"، فنكون أبو الولد وأمه ونبني من إرثنا النضالي الطويل مداميكاً لمنظومة أوسلو التي توالت عليها السنين فلا هي أنتجت حلاً ولا نحن أنتجنا شراكة مع من هم داخل المنظومة لكن ينادون بإسقاطها باستمرار دون التخلي عن مكتسباتهم ودون طرح خارطة طريق تتعدى في حقيقتها محاولة المحاصصة بين ال"نحن" وال"هم". وفي هذا المربع، نتربع باعتبارنا أم الولد وأفضل من يقدر مصلحته وأقدر من يدافع عن مكتسباته ولهذا نحارب الآخر باعتباره خصماً ونتهمه بالفلس أحياناً وبالسذاجة أحياناً أخرى، وإن اشتد العراك نذهب في اتهاماتنا حد التلويح باتهامه بالخيانة والعمالة التي نشكو من اتهامه لنا بها. وفي الأثناء، نفشل في اقناع أي مراقب لهذا الصراع المفرغ من أي محتوى فكري بمن نحن ولماذا نخاصم الآخر، الذي بات يشبهنا في كثير من التفاصيل مع مرور الزمن.

 

وحيث أن ال"نحن" في هذا السيناريو هي أم الولد وأبوه والوصية على مقدراته، يزج بأجهزة منظومة أوسلو لمواجهة الآخر صراخاً وقمعاً واتهاماً لكن ال"نحن" وال"هم" في المحصلة يبقون حبيسي الحلقة المفرغة التي لا تنتج في دورانها سوى الإحباط والأسى.

 

في هذا السياق، هل من المستغرب أن نرى جيل أوسلو يكفر بال"نحن" وال"هم" ويعلن كفره هذا على الملأ ورؤوس الأشهاد؟ وهل يعقل أن نتهم هذا الجيل الذي ما عرف من أوسلو سوى ما أنتجه صناعها ومعارضوها من اللا-شيء والفراغ الفكري أنهم يرفضون ما ترسخ في عقلهم عن هذه المنظومة وتجلياتها؟ وهل من عاقل يمكن أن يحمل جيلاً بأكمله مسؤولية شلل الأجيال السابقة في المجالات الفكرية والسياسية والثورية دون أن يواجه الحقيقة المرة أن ما يغضبه من أقوال وأفعال ومواقف حادة هي في الحقيقة من صنع يديه وقلة حيلة عقله؟

 

وبالعودة إلى الحلقة المفزعة التي هي واقعنا، كيف يمكن لأحد أن يتوقع أن الحياة في فلسطين ستتحدى قوانين الفيزياء والتاريخ وتقبل بالفراغ فقط لأنه من صنع أيدينا؟ يا هؤلاء، أفيقوا واستذكروا التاريخ الذي كنتم من صنعه حين ثرتم على من قبلكم لأنهم وقعوا فريسة الشلل فأنتجوا جيلاً من الغاضبين.

 

الأزمة أنتم من صنعتموها وأنتم من تغذون جذوتها إما بريائكم واستغلالكم لغضب تسبب فشلكم بجزء منه أو بكبرياء وعنجهية تصل حد الانفصام من واقع أنتم من يبقيه على حاله المهترئ.