في منطقتنا، وبعد سنوات من صراع القوى يمكن القول إن الحروب الإقليمية وأدواتها من قوى الإرهاب الدولي تصل الآن إلى نهاياتها...، وهنا يثور سؤال كبير، من سوف يحسم هذا الصراع؟!
بعض أبرز شواخص المشهد السياسي نجدها في العراق، حين قامت الإدارة الأمريكية، وفي عهد بوش الأب وبوش الابن بغزو العراق في العامين 1991 و2003... لقد جرى استثمار نتائج الحرب العراقية– الإيرانية وما تركته من أوضاع اقتصادية وسياسة داخلية عراقية بعد حرب عبثية دمرت كل المقومات لبناء دولة عراقية حديثة. لقد أبرزت نتائج العدوان الأمريكي على العراق ظاهرتين ما زالتا قائمتين حتى اليوم وهما: القوى الإرهابية بزعامة أبو مصعب الزرقاوي متسلحة بالنزعة الطائفية السنية ومدعومة من قوى إقليمية– دولية أرادت تقسيم العراق إلى ثلاث دول (دولة سنية، ودولة شيعية، ودولة كردية)، وأما الظاهرة الثانية فهي بروز قوى سياسية معارضة لنظام حزب البعث ومدعومة من الدولة المجاورة "إيران"، استطاعت في نهاية الصراع أن تحسم الصراع الداخلي لصالحها، وهذا ما نشاهده اليوم في مدينة الموصل ومحافظة نينوى عموماً وبدور بارز لقوى "الحشد الشعبي"، وكما سبق وشاهدناه عندما ألحقت هزيمة قاسية بقوات داعش في الفلوجة. بالطبع، فإن من السذاجة بمكان أن يلوم أحد جمهورية إيران على كسب العراق الجارة إلى صفها، وخاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
في شواخص الأزمة السورية، فإن كل القوى الإقليمية والدولية تتصارع على جني نتائج ما يشبه حرباً دولية غير معلنة: الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون من عرب وأتراك من جهة، (وهم الذين تكفلوا بالدعم العسكري والمادي بكل أشكاله)، ومن الجهة الأخرى يقف الجيش السوري مدعوماً من قوى إيرانية ومن حزب الله اللبناني ومن الدولة العظمى، روسيا. الأتراك في هذه المعادلات دورهم مرتبك ومتقلب، يبحثون عن دور إقليمي يخدم مصالحهم ويتصادمون مع كل الأطراف المؤثرة في الصراع، يدّعون محاربة الإرهاب ويقدمون للإرهابيين كل الدعم اللوجستي، يفتحون نيرانهم على أكراد تركيا وسوريا ويشكلون ميليشيات خاصة بهم (درع الفرات)، وإذا اقتضى الأمر فإن الأتراك يتحدثون عن حلف إسلامي طائفي "للسنة"، وفي كل ذلك فإن أردوغان يترنح يميناً ويساراً، وأخيراً تنتقل شظايا نيرانه "الدعاوية" ضد جيرانه الأوروبيين!
يمكن القول إن معركة تطهير العراق من قوى الإرهاب قد أوشكت على الاقتراب، ولكن خواتم الصراع في سوريا لم تقترب بعد بالرغم من الانتصارات العسكرية النوعية للجيش السوري، وهزائم أدوات الحلف الإقليمي من قوى متطرفة "ومعتدلة"! وبموازاة ذلك تبذل جهود دولية، ومن روسيا بشكل خاص من أجل الوصول إلى حلول سياسية، وهي معركة شديدة متعددة المحاور، معركة النهايات لصراع دموي وعدوان ألحق بسوريا أفدح الأضرار، لكن نتائجه أصبحت شبه محسومة لصالح الدولة السورية.
الإدارة الأمريكية الجديدة تريد أن تذهب بنتائج الصراعات في المنطقة إلى هدف رئيس ومركزي "بالنسبة لهم" يتجه نحو جمهورية إيران الإسلامية، صراع، إذا ما انفجر، فلن يشبهه شيء آخر مما أحاط بالمنطقة منذ عقود مضت. أمريكا تحرك عجلاتها نحو إيران بتشجيع معلن من قبل إسرائيل ومن بعض الدول العربية، والأخيرة طالبت بصراحة من الرئيس الأمريكي "ترامب" بالتدخل لضرب إيران، ومن أجل ذلك فقد قدمت لرجل الأعمال وصاحب العقارات الأمريكي إغراءات بمئات مليارات الدولارات!!
لو تمكن الحلف الأمريكي من العراق لكان قد مزقها إرباً إرباً، ولو تمكن الحلف الأمريكي– التركي– العربي من سوريا لانهارت مراكز الصراع لصالح إسرائيل وضاعت الحقوق الفلسطينية المشروعة على يد حكومة نتنياهو، ولسوف ينتقل الصراع إلى لبنان تهشيماً لوضع مليء بكل عناصر الانفجار. أما إيران، فإن تمكن الحلف الأمريكي منها فإن المنطقة سوف تذهب إلى أسوأ المواقع، وربما تعيدنا إلى عقود من الزمن، وهي مغامرة كبرى غير محسوبة النتائج، وعلى أساس نتائجها سوف تحسم صراعات كثيرة، فهل يجرؤ المخططون للهيمنة على المنطقة على القيام بفعلتهم؟!