سامي سرحان
طوي الملف النووي الإيراني لستة أشهر قادمة بعد التوقيع عليه فجر الأحد في جنيف من إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، ويمثل هذا الاتفاق خطوة أولى هامة على طريق حل كافة الصعوبات الهائلة في هذا الملف خلال الأشهر القادمة بحسب قول الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
ولعل الأشهر الستة القادمة، تنقل الاهتمام من الملف النووي الإيراني والملف السوري الذي سيكون من أبرز المتأثرين بالتوافق الأمريكي الغربي مع إيران، إلى ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي مضى عليها عقود طويلة دون التوصل إلى اتفاق على حل نهائي على غرار اتفاق جنيف؛ فإلى آخر لحظة ظلت التكهنات تشير إلى فشل الأطراف المجتمعة في التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى توقيع.
ولسنا هنا بصدد سرد بنود اتفاق جنيف أو تحليلها، وبإمكان كل من الجانبين الموقعين على الاتفاق أن يدعي أنه المنتصر بتوقيع الاتفاق، وعلى نصوص الاتفاق والمحللين المحايدين والسياسيين أن يحددوا من الرابح ومن الخاسر. ولكن اسرائيل، وعلى لسان رئيس وزرائها رفضت الاتفاق، ووصفه نتنياهو بأنه خطأ تاريخي، وأن إسرائيل لا تلتزم به ومن حقها الدفاع عن نفسها؛ رغم تأكيد الرئيس أوباما أن الاتفاق يحفظ لإسرائيل أمنها وتأكيد وزير خارجيته كيري أن الاتفاق سيوقف البرنامج النووي الإيراني وسيجعل إسرائيل أكثر أمناً.
ما يثير الاستغراب في الأمر هو قول نتنياهو بأن لإسرائيل دول صديقة كثيرة إذا ما قررت العمل ضد إيران، مُخرجاً فيما يبدو الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، من عداد تلك الدول، وربما يقصد بكلامه هذا إدارة الرئيس أوباما التي تتصف علاقاتها بالجفاء مع حكومة نتنياهو.
بعض المحللين يرى أن الموقف الإسرائيلي المتشنج من الاتفاق ما هو إلاّ وسيلة لابتزاز الولايات المتحدة بمزيد من الأسلحة المتطورة والمساعدات الأمريكية لإسرائيل، وأنه ليس بمقدور إسرائيل أن تشعل حرباً في المنطقة مع إيران تأكل نارها إسرائيل أول ما تأكل، رغم أن جنرالات الجيش الإسرائيلي أبلغوا قيادتهم السياسية أن بإمكان الجيش تدمير كل المواقع النووية الإيرانية بمفرده.
ما يهمنا أن الولايات المتحدة عندما قررت التوصل إلى اتفاق مع إيران لم تتراجع أمام الضغط الإسرائيلي ولا أمام اللوبي الصهيوني ولا أمام المعارضين للاتفاق في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس باراك أوباما.
وما يهمنا أيضاً الموقف الفرنسي الذي أعلن عنه الرئيس هولاند في رام الله، وأمام الكنيست في القدس المحتلة، فبعد أن فُرش له السجاد الأحمر وقوبل خطابه في الكنيست بعاصفة من التصفيق والثناء المبالغ فيه على شخصه من القيادة الإسرائيلية، ليس لما قاله في الشأن الفلسطيني، وإنما لما قاله بشأن البرنامج النووي الإيراني «فرنسا لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي» فإذ بفرنسا تنزل مسرعة من على الشجرة في أقل من أسبوع وتوافق على الاتفاق وتثني عليه وتقول إنه يمهد الطريق لتطبيع العلاقات الفرنسية مع إيران، ما أثار غضب إسرائيل التي تمنت لو أنها لم تستمع لكلام هولاند، الذي كرر أيضاً موقف حكومات فرنسا المتعاقبة بأن القدس عاصمة لدولتين إسرائيل وفلسطين، وأنه يجب وقف الاستيطان الذي يؤثر على حل الدولتين.
ويقول هولاند في حضور ممثلين عن الجالية اليهودية الفرنسية التي رافقته ضمن وفد رفيع المستوى في زيارته بأن عقلية وذهنية الشعب الفرنسي هي التزام فرنسا «بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني» وقد حددها بدولة ذات سيادة للشعب الفلسطيني والأمن لإسرائيل، وهما كما يقول هولاند لا يتعارضان وكل منهما ضمانة للآخر، وقدم وصفة لأمن إسرائيل بقوله إن أفضل أمن لإسرائيل هو دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة.
فهل ظل من أثر لتصريحات هولاند في أذهان الإسرائيليين بعد أن أخرجوا الولايات المتحدة من عداد الدول الصديقة بعد توقيع اتفاق جنيف.
ما نريده أن يتبلور في ذهن الإدارة الأمريكية وجون كيري خلال الأشهر الستة القادمة اتفاق فلسطيني إسرائيلي يقوم على المبادىء التي أعلن عنها فرانسوا هولاند هنا في رام الله وهناك في الكنيست