الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فصام وطني / فارس سباعنة

2014-05-19 00:00:00
فصام وطني / فارس سباعنة
صورة ارشيفية

الحدث- فارس سباعنة  

مثلما يحلم الفلسطينيون بوجود دولتهم المستقلة، يخشون في ذات الوقت من نشوء هذه الدولة تحت معايير الدول العربية المعروفة، أو ما يسمّى بمعايير "التوافق الوطني" وهو مصطلح عربي بإمتياز ملخصه أن يتسلّم المناصب القياديّة أشخاص يحققون معادلات سياسية وتنظيمية بالدرجة الأولى، لتصبح الكفاءة، والمهنيّة، تحمل المسؤولية الوطنية، النزاهة، والقدرة على القيادة، آخر أولويات المعايير المطلوبة في الشخص المسؤول.
لا غرابة إذن حين نلمس غياب الشارع الفلسطيني في الضفة وغزّة عن المشاركة السياسيّة، وفقدان الإندفاع الشعبي المطلوب لدعم أي برنامج سياسي، فهناك حالة من الفصام السياسي يعيشه الفلسطيني بين حلمه بدولته المرتقبة، وبين واقع يوميّ وحزبي مرير يصطدم فيه بضياع بوصلة الشخص المناسب والمكان المناسب، إلى حد أنه لا يستطيع أن ينتفض أو يصرخ بوجه الفساد والخلل المؤسسي، لأنّ سقف الاحتلال أقسى من الأعناق الضعيفة والكثيرة التي تحاول أن ترتفع فوق المشهد المؤلم.
في فلسطين ليست وظيفة وزير التربية والتعليم أن يطوّر المناهج والنظام التعليمي، ويبات ليلته مريضاً بحمّى أبناء المستقبل، وأن يثور ويغضب من أيّ سلوكٍ يعرّض أحلام أبناء الوطن للخطر، كما أن كفاءة أقسام الطوارئ في المستشفيات، وتوفّر الأدوية، والأجهزة الطبيّة، وضمان هيكل تنظيمي فعال للمؤسسات الطبية، كل ذلك لا يشكل قلقاً بالنسبة لوزير الصحّة، وكذا لا أعتقد أن وزير الثقافة يجلس على شرفة منزله الآن محاولاً أن يضع تصوّراً لإدارة عجلة المنتوج الثقافي، ولا أظنّ أحداً بحاجة إلى دليلٍ على ما أقول، فواقع مؤسسات الدولة من تعليم، وصحة، عدالة، والاقتصاد، بيئة، ثقافة، سياحة، عمل، وغيرها ناطق بما فيه، ويشي بمن يرأسه.
لقد هدَرَ مشروعنا الوطنيّ وبدّدَ أهمّ فرصة في تاريخه على طريق التحرر، فرصة أن يلتقي الوطن والمواطن بعلاقة تكامليّة وعضويّة تعزّز الانتماء الوطني الأساسي والضروري لقيام الدولة الفلسطينية، الانتماء الذي يجعل من سائقي السيارات يتردّدون كثيراً قبل إلقاء النفايات من الشبابيك، كما ويجعل للأعلام الملوّنة فوق أسطح المدارس رمزيّة حقيقيّة لفلسطين في وجدان أطفالنا قبل عيونهم، الانتماء الذي يضمن مشاركة سياسيّة حقيقيّة للمواطن في العمل المؤسسي والتنظيمي والحزبي والنقابي، ويؤدي بالنتيجة الحتمية إلى حياة ديمقراطية تجعل من مشروع الدولة تحصيل حاصل لا فصام وطني.