الحدث - محمد ماجد ونور أبو عيشة
عند الحدّ الذي يفصل مياه بحر قطاع غزة، عن شاطئها، يقف رجل يحمل على ساعده طفلاً صغيراً، على مقربةٍ منه تسير امرأة عجوز متكأةً على "عكازها"، إلى جانبها تقف شابةً تبدو في مقتبل عمرها.
الناظر إلى شاطئ قطاع غزة، عن بعدٍ، يخيل له أن أولئك الأشخاص هم "بشر" حقيقيون، خارجون لـ"توّهم" من داخل البحر، بملابس تبدو "مهترئة"، وظهور "منحنية"، تشير إلى أنهم أمضوا أياماً صعبة داخل بحر غزة، أو أنهم لم يقصدوه بغرض "الرفاهية".
ذلك الوصف، لم يكن إلا مشهداً تجسيداً، استخدم فيه الفنان الفلسطيني إياد صبّاح (39 عاماً)، تماثيلاً طينية، ليبرز معاناة الغزيين الذين هاجروا من قطاع غزة، مخلّفين ورائهم "قلق" أفراد عائلاتهم على مصيرهم، إذ باتوا اليوم في عداد "المفقودين" داخل البحر المتوسط، كما قال لوكالة الأناضول.
فلم يجد الفلسطيني صبّاح، محاضر فن النحت في جامعة الأقصى بغزة، وسيلة يبرز فيها معاناة الغزيين الذين هاجروا من قطاع غزة نحو الدول الأوروبية بطريقة "غير شرعية"، وباتوا في عداد المفقودين، إلا عن طريق فنّ "النحت".
وتعرضت عدة قوارب تقل مهاجرين فلسطينيين وعرب إلى الغرق مؤخراً، لدى سعيها لنقلهم إلى دول أوروبا، ما تسبب بسقوط مئات الضحايا بينها عائلات بأكملها، وفق مؤسسات حقوقية.
وأوضح صبّاح، لـ"الأناضول"، أن فكرة تجسيد معاناة الغزيين، استغرقت أكثر من شهر، حتّى تحولت من مجرد فكرة إلى واقع، مشيراً إلى أنه فضّل أن يعرض منحوتاته الفنيّة، في الأماكن التي كانت شاهدة على مأساة الفلسطينيين.
وتابع:" هذه الفكرة تجسد معاناة الفلسطينيين، سواء الذين تركوا عائلاتهم وهاجروا من القطاع نحو الدول الأوروبية، أو أولئك الذين نزحوا من منازلهم في حرب الـ(51) يوماً، تحت نيران الطائرات الإسرائيلية".
وأضاف قائلاً:" أعرض اليوم، أعمالي، بعد عمل دام أكثر من شهر، في أكثر المناطق التي كانت شاهدة على معاناة الغزيين، سواء في منطقة الشجاعية التي دمرتها الطائرات الإسرائيلية، أو على شاطئ البحر، الذي خبئ في جوفه العشرات من الغزيين الذين هربوا من موت الحرب إلى موت مجهول".
وذكر صبّاح أن النحت، وتجسيد شخصيات غزيّة، هو رد فعل طبيعي لأحداث الحرب التي حدثت، وما أعقبها من نزوح مئات العائلات من منازلها، أو هجرة عشرات الشبان من القطاع.
وبيّن أن المواد التي صنعت منها التماثيل المنحوتة، وهي البلاستيك والطين، تسلّط الضوء على الجانب النفسي من حياة أهالي قطاع غزة، إذ تدّل مادة الطين على "الهشاشة".
وأما مادة البلاستيك، فقد استخدمت لتمثيل التماسك، بشكل عام، بين أفراد الشعب الغزي، والذي أبدوه خلال (51) يوماً من الحرب.
ويستكمل:" هذه المواد، أقرب لتجسيد نفسية أهالي قطاع غزة، التي جعلتها الحرب هشّة، ضعيفة، كما أن الشخصيات تمثّل شرائح مختلفة من أهالي القطاع، أطفال ورجال، ونساء، وعجزة".
وفي مشهدٍ آخر وضع صبّاح بمجسماته التي وضعها بالقرب من المباني المدمّرة في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، لتجسيد فكرة نزوح سكان حيّ الشجاعية، مخلّفين ورائهم منازلهم التي سوتها الطائرات الإسرائيلية بالأرض، والتي تحولت في بضع دقائق إلى ركام.
ويشير صباح إلى أنه لم يتوقع التقبّل الإيجابي للغزيين القاطنين في حي الشجاعية بغزة، إزاء أعماله الفنية.
وأضاف:" كنت أشعر بقلق إزاء نظرة الغزيين لأعمالي، خاصة وأن الحرب لم يمضي على انتهائها شهرين، لكنني وجدت تشجيعاً منهم لهذه الأعمال، والعديد من السكان شعروا بأن هذه المجسّمات والتماثيل، توصف حالهم خلال الحرب".
ويذكر صبّاح أنه بتجسيد ذلك المشهدين، يربط بين أهم نقطتين عانى منهما أهالي قطاع غزة، وهي الهجرة غير الشرعية، وحرب الـ(51) يوماً وما نتج عنها من نزوح وخسائر بالأرواح، عدا عن الخسائر الاقتصادية.
الأناضول