السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التذاكي والأمن والتقرير

2017-03-28 12:50:36 PM
التذاكي والأمن والتقرير
رولا سرحان

جاء تقرير لجنة التحقيق بشأن الأحداث التي وقعت أمام مجمع المحاكم في البيرة وأحداث بيت لحم في 12-3-2017 والتي تم تشكيلها بتوجيهات من الرئيس محمود عباس وبموجب قرار رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الدكتور رامي الحمد الله بتاريخ 13-3-2017، ذكيا.

 

وسبب إطلاق صفة الذكاء عليه، لأن القراءة ما بين السطور تعطيك ملامح أولية عن صعوبة المخاض التي مر بها التقرير حتى ظهر إلى العلن بعد ترقب وانتظار، وتحديدا من قبل الصحفيين، اللذين تلقاه معظمهم بإيجابية مطلقة.

 

ما من شك أن اللجنة قد اجتهدت في إعدادها للتقرير، في حين نكاد نلمح أن صياغته بالطريقة الحالية هي بفعل تدخل أساسي من قبل الهيئة المستقلة لحقوق المواطن للدفع به باتجاه الخروج إلى العلن ورفع الحرج عنها، ولو اقتضى الأمر إخراجه بالصيغة الحالية، أي الخروج بصيغة مرضية لجميع الأطراف، والتي مع ذلك تظل غير كافية، خاصة لجهة تسمية الأشياء بمسمياتها.

 

وسبب الإشارة إلى أن صيغة التقرير كانت مرضية نوعا ما وللكثيرين، لأن الأمر يحتاجٌ ذكاء من نوع خاص كي يتم التعامل مع صحفي مضروب، وقائد شرطة بزي مدني، ووالد شهيد منكل به، بينما يطبق الوضع الأمني على مفاصل الحياة جميعها. لذلك، سيكون من الصعب أن يكون هنالك تقرير أفضل من الذي تم تقديمه، فهو يقع في خانة  أفضل الشرور، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تركيبة اللجنة الحالية، وتبعياتها الإدارية وانتماءاتها السياسية، وتوازنات القوى داخل المؤسسة الأمنية.

 

ما تمت الإشارة إليه جلي في طريقة تعامل التقرير مع إدارة عملية إنزال العقوبة من عدمها مع مدير شرطة رام الله، ومدير القوة الخاصة، والذي حمله التقرير سبب وصول الأحداث إلى ما وصلت إليه من استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وتأزمها بشكل لاحق بسبب سوء تقديره للأمور، فبحسب ما جاء في التقرير فإنه يتحمل المسؤولية عن اتخاذ قرار فتح الشارع ومن ثم فض الوقفة بالقوة، فضلا عن مخالفته للقانون بتواجده شخصيا بالزي المدني بين المواطنين.

 

وعلى الرغم من تأكيد اللجنة في تقريرها على أن التجمع كان سلميا ولا يستدعي استخدام القوة المفرطة، فقد اكتفى تقرير اللجنة باعتبار ما جرى من قبل مدير شرطة محافظة رام الله والبيرة، وكذلك قائد وحدة الشرطة الخاصة في الميدان مخالفة انضباطية من الدرجة الأولى، ومخالفة سلوكية للمادة 23 من مدونة قواعد استخدام القوة.

 

وبحسب القرار الذي استندت اليه اللجنة الصادر عن وزير الداخلية تحت رقم 192 لسنة 2009، فإن ما تم بحق المواطنين يشبه المخالفات من قبيل "النوم أثناء الخدمة، تعاطي المشروبات الروحية خلال فترة العمل الرسمي أو في الأماكن العامة، ترك الوظيفة قبل إتمامها.." وبالتالي فإن ترك الأمر مفتوحا دون توصيف أكثر صراحة ووضوحا قد يعني أيضا ترك العقوبة التي سيطبقها المجلس الانضباطي المشكل في حينه لتكون من قبيل التوبيخ الإنذار أو حسم 10 أيام من الراتب..الخ، دون اعتبارها جرما يستوجب ملاحقة جزائية، وبالتالي يستوجب عقوبة أعلى.

 

في حين أن المادة 23  من مدونة قواعد استخدام القوة  والمشار إليها في التقريروالتي تنص على أن "كل من يخالف أحكام هذه المدونة أو التعليمات الداخلية التي يصدرها قادة قوى الأمن لأغراض تنفيذها، يعاقب جنائيا وفق أحكام القانون، مع عدم الاخلال في إيقاع العقوبات الإدارية في حقه وفق الأصول."فلا يبدو واضحاً سبب إقحامها في التقرير وذلك لكونها نصا تتعلق بالتجمهر غير المشروع.

 

ولكن، وكي لا يظل الأمر في إطار التذاكي فإن، المهم في المرحلة الحالية أن يقوم مجلس الوزارء بالإحالة إلى جهات الاختصاص وعلى رأسها وزارة الداخلية، وقيادة الشرطة بتطبيق ما ورد في التقرير، وأن يضعها موضع تطبيق فوري وأن يتم إعلام المواطنين بالإجراءات التي اتخذت من باب الشفافية والمساءلة.  

 

أهمية الأمر من وجهة نظر حكومية أنه سيأتي منسجماً مع ما أعلنت عنه الحكومة في أكثر من سياق في إطار تركيزها على استعادة هيبة المؤسسة الأمنية، فالاحترام لا يأتي بالتذاكي ولا بالقوة وبالفرض، وإنما الاحترام يكتسب.