لم تأتقمة العرب في نهاية الأسبوع الماضي بشيء جديد غير ما يجري الإعلان عنه في وسائل الإعلام الرسمي العربي، ولكن تحت سطح الإعلان الصادر عن القمة، فإن كل شيء يسير بذات الاتجاهات التي سبقت القمة!
البيان الختامي أرضى كل الأطراف المشاركة بحيث عاد كل طرف بما يريد، حتى في النصوص الغامضة في اللغة، فإن المعنى كان واضحاً. لا مآخذ على ما ورد بما يتعلق بالأسس العامة لإطار الحل على الصعيد الفلسطيني بالرغم من مرافقة المندوب الأمريكي لمجريات القمة وعمله من أجل عودة المفاوضات الثنائية المباشرة مع الطرف الإسرائيلي وبدون شروط مسبقة، وهي أسس للحل وليست شروطاً كما تدعي حكومة نتنياهو،مثل وقف الاستيطان والإقرار بقرارات الشرعية الدولية أساساً للتفاوض..الخ.وللمفارقة، فلقد أقر المجلس الوزاري المصغر بعد يومين من قرار قمة العرب بناء 2000وحدة استيطانية لمستوطنة "عمونا" بديلاً عن مجموعة "البركسات" التي كان هدمها قبل نحو شهر،إضافة إلى مصادرة آلاف الدونمات جنوب نابلس، وهذه رسالة إلى إدارة ترامب ومبعوثه الخاص من جهة، ولطّمة على وجوه الزعماء العرب بالقرار الخاص بالاستيطان الذي اتخذوه بالقمة العتيدة.مندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية تهدد باستخدام "حذائها" في وجه من يوجه نقداً إلى إسرائيل...!
افتقدت قرارات البحر الميت إلى تقديم أي حل فعلي للأوضاع العربية المتفجرة في مناطق مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، بل وأكدت على ما هو قائم بما في ذلك إفراد بند عن"محاربة الإرهاب"، وكأن هذا الإرهاب وجرائم الإبادة للشعوب العربية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا قد سقطت من السماء،ونسأل من الذي يرسل المال والسلاح والتموين وحتى البساطير للإرهابيين، ومن الذي يسهل مرورهم ويؤمنهم ببطاقات السفر ويسمح لهم بكل المتع المحرمة، "بما فيها المتاجرة بالنساء"؟ ونسأل أصحاب البيان الصادر من الذي يتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية ومن الذي يعتدي على سيادة الدول المُبتلاة بالإرهاب مثل ليبيامنذ فبرلير 2011،ومن الذي يحرم أطفال اليمن من العلاج ويوزع عليهم الموت حتى في المآتم والأفراح؟!
ما صدر عن القمة قال كل شيء ولم يقل شيئاً، ذلك أن التدخل في سوريا لم ولن يتوقف مالم تحسم القوات السورية وحلفائها الشرعيينالمعركة،وأن كل الحديث عن السعي للحل السياسي سيمثل ذراً للرماد في العيون، وهذا الموقف يذكر بقصة الصياد والعصافير "لا تنظر إلى دموعه بل انظر ماذا تفعل يداه"، وما يقال عن تأجيج النعرات الطائفية، والمقصود بذلك إيران، وهو اتهام يفتقر إلى دليل، لأن من أشعل الحرب تحت دعاوى طائفية وبدأ بتفجير الأماكن المقدسة لإحدى الطوائف الإسلامية في العراق معروف، وهو حتى الآن لم يتوقف عن قتل الحجاج من ذات الطائفة وهم يؤدون شعائرهم الدينية، ومن الذي منع تقسيم العراق إلى طوائف وقوميات، ومن الذي أحبط تقسيم سوريا إلى دولتين: سنية وعلوية..؟! إنها معركة سياسية يستغلها البعض ويستخدم بها أسوأ الوسائل (الطائفية)، والفقراء والسذج هم من يدفعون الثمن!
نراقب قمماً تعقد في أوروبا ونسمع نتائجها، ونراقب قمماً في أمريكا اللاتينية ونرى لها نتائج، أما قمة البحر الميت، فأبقت كل شيء على حاله وتركت للميدان وداعميه كلمة الحسم، كما تركت للقوى الإقليمية والدولية فصلالكلام، أما إسرائيل فسوف تحاول ابتلاع الأرضوقمع حقوق الفلسطينيينبغطاء أمريكي معلن،وبعلاقات مع أطراف عربية من تحت الطاولة راهناً وعلى أمل "لها"بأن تتحول إلى علاقات من فوق الطاولة، "ولا حاجة إسرائيلية، في هذه الحال، إلى تعديل يقلب الأولويات في المبادرة العربية"،فالتطبيع يسير على قدم وساق، ويبدو أن المعركة المحتدمة ما زالت شاقة، حتى وهي في نهاياتها.