الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

استدعاء الموضوع الفلسطيني أمريكياً وإقليمياً بقلم: رائد دحبور

2017-04-04 12:03:10 AM
استدعاء الموضوع الفلسطيني أمريكياً وإقليمياً
بقلم: رائد دحبور
رائد دحبور

تكتسب المجهودات الدبلوماسية الأمريكية للسلام في المنطقة زخماً، ويتأثر بذلك الإقليم كلَّما دعت الحاجة الأمريكية إلى ذلك في سبيل بناءِ تحالفاتٍ أو إمضاءِ سياساتٍ أو مواجهة تحدياتْ.

 

رأينا ذلك إبَّان أزمة الخليج والحرب الأولى على العراق في عهد الإدارة الجمهوريَّة بزعامة الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر حيث دعت الحاجة إلى إطلاق وعود بحل القضية الفلسطينية في سبيل بناءِ تحالف عربي وإقليمي ودولي في مواجهة العراق آنذاك، فكان مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في النهاية بكثيرٍ من الاشتراطات الإسرائيلية التي أفرغته من مضمونه في نهاية المطاف.

 

ورأينا ذلك على هامش مواجهة إدارة بل كلنتون الديمقراطيَّة للتحديات السياسية والاقتصادية التي فرضها انبثاق الاتحاد الأوروبي بسياسات خارجية واقتصادية موحدة ومنسقة تجاه المنطقة في نهاية التسعينيات، حيث كان الأمر يستدعي التأكيد على مسألة الاحتكار الأمريكي لإدارة أزمات الشرق الأوسط؛ فكان مؤتمر كامب ديفد الذي فشل هو الآخر أيضاً في الوصول إلى تفاهمات حول الحل النهائي فأصبحت الأوضاع التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة وانتقاليَّة دائمة وكأنَّها تأخذ صفة التأبيد.

 

وعندما جاءَتْ إدارة جورج دبليو بوش الجمهوريَّة، وبعد أنْ بلغ التفرُّد الأمريكي في الملف الدَّولي مداه عند منقلب القرن العشرين، ذهبت تلك الإدارة إلى حروبٍ منفردة دون الحاجة إلى أحد ودون الحاجة إلى موافقة أحد في كلٍّ من أفغانستان والعراق، وكانت القضية الفلسطينيَّة تبدو بالنسبة لتلك الإدارة تفصيلاً صغيراً هامشياً على جدول أعمالها بحيث أوكلت أمر إدارة الأزمة في العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بفعل أحداث الانتفاضة الثانية لمبعوثين برتبٍ عسكريَّة كجورج ميتشل وزينِتْ ودايتون ليقوموا بمهامٍ مزدوجة دبلوماسيَّة وأمنيَّة بين الجانبين. ثم جاءَت إدارة أوباما الجمهوريَّة لتنشغل بقضايا المديونيَّة الفدراليَّة وبقضايا ترتيبات الانسحاب من كلٍّ من أفغانستان والعراق ومن ثمَّ في الأزمة في جورجيا وأوكرانيا وسوريا دون أنْ تعطي في البداية كبير اهتمامٍ للموضوع الفلسطيني، ثمَّ التفتت لتجد ركاماً من الإخفاقات في موضوع التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لم تستطع تجاهه سوى التسليم بالعجز عن تحقيق أيِّ اختراقٍ في جدران الجمود السياسي الخاص بتسوية القضايا العلقة بين الجانبين.

 

ربما ترى إدارة دونالد ترامب الجمهوريَّة الآن الحاجة إلى استدعاء الموضوع الفلسطيني ولو جزئيَّاً في سبيل توضيب أمر المهمات التي رسمتها لنفسها أو التي تفترض مواجهتها، وعلى رأس تلك المهمَّات مواجهة التغير في البيئة الدولية، ذلك التغير الذي يشغل المساحة الممتدة من آسيا مروراً ببعض مناطق الشرق الأوسط، وصولاً إلى جانبي الأطلسي في أوروبا وأمريكا اللاتينيَّة، وربما من ضمن هذه المهمات بناء حلف أمريكي جديد في المنطقة العربية أو إعادة صياغته تحت عنوان مواجهة إيران، وذلك يؤدِّي وظيفتين هما:

 

الأولى، هي صرف الأنظار عن إسرائيل وجعلها أكثر قبولاً في المنطقة، حتَّى محاولة إمكانية أنْ تكون جزء من هذا الحلف. والثانية تتمثل في المزيدِ من الإنعاش لمشاريع المجمع العسكري الصناعي الأمريكي الذي يُعتبر أحد أهم دعامات عجلة الاقتصاد والإنتاج التكنولوجي الأمريكي وذلك عبر عقد وتمرير مزيد من صفقات السلاح للمنطقة بدعوى مواجهة أخطار مفترضة من جانب إيران أو من جهة تمدد النفوذ الروسي وتحالفاته في المنطقة وفي أواسط وشمال آسيا.

 

إذا كان التاريخُ مصدراً يُسْتَدَلُّ به، وإذا كانت التجربة تصلح كمقياس عند تشابه الظروف والمعطيات؛ فإنَّ ما نراه اليوم من اهتمامٍ من جانب الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة بأمر بحث ملف القضية الفلسطينية لا يعدو عن كونه يندرج ضمن ما تفرضه ضرورات المصالح الأمريكيَّة الملحَّة في اللحظة الرَّاهنة، والتي عندما تتحقق أهدافها في مرحلة ما تترك شأن الاهتمام بالقضية الفلسطينيَّة إلى المنطق الثَّابت في العقلية الإستراتيجيَّة الأمريكيَّة الذي يقول:

 

إنَّ النزاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي – بعد أن نُزِعَت عنه صفة العربي بطبيعة الحال - من صنف المشاكل التي من الخطأ البحث عن حلول نهائيَّة لها؛ لأنَّ البحث عن حلول نهائية لها سيؤدَّي إلى انفجار صدامات بحجم القضايا النهائية الكبيرة المُختلف عليها والمؤجَّلة؛ سِيَّما أنَّ هذا النوع من النزاعات له أبعاد سياسيَّة دبلوماسيَّة من جانب لكن له جوهر لاهوتي تاريخي تراثي يتَّصِلُ بالادِّعاءَات الدِّينيَّة والتاريخيَّة من كلا الجانبين لذا ينبغي فقط محاولة التَّخفيف من المشكلة وإبقائها تحت السيطرة بدلاً من إضاعة الجهد في محاولة إيجاد حلول نهائيَّة لها.

 

بهذا المنطق يتحدَّث هنري كيسنجر على سبيل المثال في أحد المناسبات، وبهذا المنطق تمَّ لَوْم إدارة كلينتون من قبل الجمهوريين وبعض الاستراتيجيين الأمريكيين عندما حاولت البحث عن حلول نهائية لهذه القضايا بحيثحُمِّلَتْ مسؤوليَّة اندلاع الصِّدامات بين الجانبين في الانتفاضة الثانية بعد فشل مؤتمر كامب ديفد في تموز عام 2000.