في منتصف التسعينات أُستدعينا على عجل للقاء الشهيد الخالد في غزة ، كان الوفد يضم معظم نقباء ومجالس مجمع النقابات المهنية في فلسطين والذين يمثلون شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني ومكون أساس في الحركة الوطنية،
فاز معظمهم بالانتخابات الديموقراطية الحرة قُبيل او مع اتفاق أوسلو ، وكانوا في غالبيتهم معارضين او متحفظين على هذا الاتفاق.
في قاعة المنتدى اطلت علينا الكوفية، ولأول مرة وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه معها.
هذه الكوفية التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، وهي نفس الكوفية التي نسجت مع اشبال وشباب فلسطين في الاراضي المحتلة تاريخ من الثقة والعنفوان والكفاح .. وبوصلة للعمل الوطني .
انتقلنا الى قاعة كبيرة كانت تعج بالحضور والوفود حتى ضاق علينا المكان والهواء ...
كانت الكوفية سيدة المشهد تظلل المكان بأحلام الشهداء والاسرى...
ولم يكن هناك اية ملامح اتفاق ..كل ما رأيناه عرساً فلسطينيا وخطاباً ومهرجاناً من بقايا الفاكهاني، وبَيعَةٌ تتجدد وميثاق عهد نُسج بخيوط الكوفية .
سقطت أوسلو في صناديق الاقتراع في مجمع النقابات المهنية في القدس ونجحت في صندوق الكوفية في غزة ..
خرجنا جميعا من اللقاء نحمل نفس الانطباع، ليس هنالك اي اتفاق ، كل ما رأيناه هو مهرجان وقصص وحكايات ، وشعوراً قوياً ممزوجاً بالعاطفة والتاريخ ان الكوفية هي الضمان وهي القادرة على تحويل هذه الحكايات الى..
اسطورة شعب.. ووطن وهوية .
لم تصمد الكوفية امام تأمر أعداء الداخل والخارج وامام كل من أراد ان تكون أوسلو بلا كوفية ، وبلا ضمان للحد الأدنى من الكرامة والحقوق الوطنية.
وبدأ الجميع بسحب خيوط الكوفية، تمزقت وتقطعت وانهار نسيجها، وسقطت الكوفية وتناثرت بقاياها بين الوطن والوطن .. وبين المخيم والمخيم .
وتركت خلفها حكايات من الخيال والاوهام ...
ومُنَجمين لتفسير الأحلام ..