الحدث الثقافي
كتب الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله قصيدة "من أوراق الذئب" والتي هي من ديوان جديد للشاعر "الحب شريرٌ.. طوق الذئبة في الألفة والاستذآب"، والذي من المتوقع أن يصدر قريبا عن الدار العربية للعلوم في بيروت.
و القصيدة هي جزء من مجموعة "أوبرا الذئاب" المكونة من 24 قصيدة تروي حكاية متكاملة.
إليكم الرائعة الشعرية كما خص بها الشاعرُ صحيفتنا "الحدث":
1 ـ
قد كنتُ أطيبَ أخوتي
ذئبًا مطيعًا كالقطيعِ
وربما كنتُ الجميلَ كما ادَّعَتْ أُمي كثيرًا
كلّما وقفتْ على باب الوِجَارِ الذئبةُ الأحلى
وفاجأنا الربيعُ بزهرةٍ قبل الأوانِ
ونجمةٍ تأبى الأُفولْ
2ـ
ولعلّني كنتُ البريءَ
لأنني كنتُ الصغيرَ هناك بين ثلاثةٍ
لمّا تفتّحَ في الذُّكور عواؤها وجنونُها
وتفتَّحَ الجمرُ، البنفسجُ، في الإناثِ
ودوَّتِ الرّغباتُ في الغاباتِ نارًا أو طبولْ
3 ـ
ولعلّني، سأقولُ: أوَّلَ من ضَحِكْ.
في عالم الذئبِ التَّوحُّشُ فِطرةٌ
لَعِبُ الجراءِ كأنها في الصّيدِ أو في المعركةْ
وعبورُها برَّ الصِّبا
نحوَ البراري المُهلِكَةْ
لا شيءَ يحفظُ روحَنا
-والريحُ أجملُ مملكةْ..-
غيرُ الإغارةِ والطِّرادِ..
وربما للذِّئبِ من عامٍ لعامٍ أن يميلَ لكي يقولَ قصيدةً
ويَشُمَّ روحَ الليلكَةْ!
لكن أعراسَ الذئابِ قليلةٌ
خلفَ الذئابِ ربيعُها، مثلَ الخلائقِ كلِّها، دومًا
وما يبقى يزولْ!
4 ـ
في قلبِ هذا الإمتدادِ الرَّحبِ قلبي لا يرى قمرًا سيمكثُ في السّما يومينِ أكثرَ إن نَجَتْ منّا الغزالةُ
أو نجوْنا من رصاصٍ
أو ستتَّسِعُ السّهولْ
الموتُ يعدو نحونا
وأنا وأنتِ له الطريقُ
أنا وأنتِ له الضّحيّةُ والدّليلْ!
5 ـ
من نصف عامٍ قد سمعتُ قطيعَ صيادينَ يعبر من هنا
من خلفِ وادي الموتِ، كانوا يضحكونَ
وكان رأسُ قطيعِهم يتذكّرُ الماضي
طفولةَ نابهِ إذ كانَ جرْوًا جامحًا كالبندقيةِ في يديه
وكان قد أرْدى الحمامةَ والدجاجةَ والأرانبَ، مثلما أرْدى الشَّبيْهَ، شبيهَهَ، قبلَ الغرابْ
ضحكوا كثيرًا حين قالوا قد أتى دَوْرُ الذّئابْ!
في ذلك الزّمن ابتعدتُ
وخِفْتُ، قلتُ: لو انَّها، أعني الحميمةَ، نسمةٌ، وأنا سرابْ
وهمستُ يا نفسي لماذا يقتلونَ الذئبَ في منفاه: هذا البرِّ،
وهو بلا مدائنَ أو طعامٍ، أو حقولْ
ولهم هنالكَ واحةٌ، ولهم على طول الزّمانِ: الأصدقاءُ، الأولياءُ، وكلُّ أوطانِ اللغاتِ، الأغنياتُ..
لهم رسولٌ طيبٌ، يتلو رسولْ؟!
6 ـ
ورأيتُ كلبًا كلّما عوتِ الذئابُ تذكَّر الماضي.. عوى
والكلبُ ليس الذِّئبَ
ليس عواؤنا شبحَ النُّباحِ
ولا التذلُّلَ تحتَ أقدامِ الغُزاةِ
وهم هنا، تحتَ السماءِ، سمائنا.
الكلبُ ظلُّ فَنائِنا
وخَواءُ قاتِلنا، وخوفُ كمالِهِ من عتْمةِ الغاباتِ.. منّا
الكلبُ كلُّ خيانةٍ حطَّتْ على ماءِ الوفاء
الكلبُ.. لا زمنٌ إلى الأجدادِ يُفضي
الكلبُ..لا شبقُ العُواء..
لوليفةٍ ملءَ البراري، من هنا حتى السّماءْ
لا، ليس منّا من يُروَّضُ كي على الذؤبان ينبحُ خلفَ أسلاكِ الحظائرِ، أو يُجرجِرُ تحتَ أقدامِ الغُزاةِ
جبينَهُ قبل الذُّيولْ.
7 ـ
من بعد عُمْرٍ قد يطولُ إذا التقيتُكِ.. أو يطولْ
سأقولُ من قبلِ الكلامِ وبعدِه
خطْفًا، أقولْ:
قد كنتُ أطيبَ أخوتي
ذئبًا مطيعًا كالقطيعِ
وربما كنتُ الجميلَ كما ادَّعَتْ أُمّي كثيرًا
كلّما وقفتْ على بابِ الوِجَارِ الذئبةُ الأحلى
ولكن إن سمعتُ عواءَ قلبِكِ مرةً..
أو مرةً أخرى
سأنسى من أنا، فَرَحًا
وأَصهَلُ كالخيولْ!