كتب مستشار التحرير
مع تصاعد الأزمة ما بين حركتي فتح وحماس، في ظل عجز اليسار، يصبح سؤال المشروع الوطني، أصعب الأسئلة المطروحة على طاولة الكل الوطني.
السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس كانت واضحة في تصريحاتها بإنها مقبلة على اتخاذ خطوات حاسمة وغير مسبوقة بشأن موضوع الانقسام في الأيام القليلة القادمة بحسب قول الرئيس. فيما تسرب من قيادة السلطة، تخييرها لحركة حماس ما بين حلين، أحلاهما مر بالنسبة لها، إما إدارة غزة بكل ما تعني كلمة الإدارة من مسؤوليات تصاحبها انسحاب السلطة منها، وإما تسليم القطاع بكل مؤسساته، وانسحاب حماس من شواهد السيطرة بشكل كامل.
حماس وفي لحظة تخبط وارتباك واضحين، أبدت في بدء الأمر ما فسره البعض على أنه تجاوب مع طرح القيادة في رام الله، إلا أنها عادت لتهدد الرئيس عباس بالعمل على شطب شرعيته، متهمة إياه بالمساهمة في حصار غزة.
واقع المشهد بين غزة ورام الله، اسقط ورقة التوت الأخيرة التي كانت تحجب عورة اليسار بإدعائه محاولة التقريب بين وجهتي نظر طرفي النزاع لإنهاء حالة الانقسام، حيث وصل هذا الأخير، أي الانقسام، إلى نقطة باتت تهدد كامل المشروع الوطني، خاصة والكل الوطني يعلم تمام العلم، بأن ملف الانقسام اضعف الموقف الفلسطيني على مستويات عدة اقليمية ودولية، غير أن ما يخطط للمسألة الفلسطينية على الطاولة الدولية والإقليمية، إنما يبحث في خيارين، إما عودة القطاع تحت سيادة السلطة، والعمل معها على انهاء ملف القضية الفلسطينية، وهو ما تم الحديث عنه مؤخرا تحت عنوان "صفقة القرن".
وإما العمل على فصل قطاع غزة ودفعه باتجاه الإدارة العسكرية المصرية، دون تحمل أي مسؤوليات خداماتيه، ومحاصرة الضفة لتصبح الأردن هي المنفذ الوحيد لها على العالم الخارجي، في سياق إدارة ذاتيه.
واقع الحال...
الحقيقة التي يتحدث عنها البعض على خجل، تشير إلى أمرين اساسيين
الأول: أن حركة حماس تريد حكم قطاع غزة، التي سيطرت عليه قبل عشر سنوات، دون أي تكاليف سياسية أو اقتصادية، محمية في ذلك وراء شعار "المقاومة"، علماً بأن وثيقتها الجديدة اسقطت مقولة تحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، لصالح دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967، تماماً كما عملت على فك الارتباط بحركة الإخوان المسلمين، لترفع عن كاهلها وصمها في الدوائر الدولية بوصفها حركة "إرهابية".
وأما الثاني، أن السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح تتعرض لعدة أزمات متلاحقة، فمن جهة يتراجع منسوب تأييدها بشكل سريع بين جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، باعتبارها في موقع المسؤولية عن كامل الملف الفلسطيني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومن جهة أخرى تواجه العديد من الأطراف المناهضة لها داخلياً وخارجياً، بالاضافة إلى الضغوط الدولية التي تتعرض لها باتجاه تقديم المزيد من التنازلات في ملف المفاوضات، فضلا عن قرأتها لواقع الحال في القريب العاجل تحديداً على الصعيد الاقتصادي، خاصة مع علمها المسبق بتقليص المساعدات الأوروبية لها، وتراجع الاسناد العربي للملف الفلسطيني. ما يعني أن في انهاء الانقسام، تكمن القوة التي تحتاج إليها لمواجهة كافة الخصوم، ومقاومة الضغوط الدولية.
والأهم أن هناك قرار قد اتخذ في القمة العربية الأخيرة بالتوافق مع دوائر دولية لضرورة إنهاء ملف الانقسام الفلسطيني، باتجاه لعب الجانب الفلسطيني دور محوري في إعادة ترتيب المنطقة بما يتيح للدولة الإسرائيلية المشاركة.
ومصلحة الجانب العربي من هذا التوجه، تتمحور في توظيف الحاجة الأمريكية لإدخال إسرائيل كطرف مباشر في إعادة ترتيب شؤون المنطقة، للوصول أخيراً إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإغلاق هذا الملف مرة واحدة وإلى الأبد، فيما تتمحور المصلحة الأمريكية الاسرائيلية، في الاستفادة من قبول إسرائيل العودة إلى مفاوضات جادة، بالضغط على الجانب الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات، وخاصة في ملف الأرض "مساحة الدولة الفلسطينية"، وملف العودة، والقدس.
خيارات طرفي النزاع...
الخيارات المتاحة لحركة حماس، تشير بقوة إلى هامش المناورة الضيق، فإما أن توافق حماس على مطالب الرئيس محمود عباس، وتحاول أن تدخل في شراكة سياسية واضحة، تلعب فيها حماس دوراً مركزياً في تقرير كل ما يمكن التوصل إليه من حلول، فضلاً عن اشتراط القبول الدولي للحركة كلاعب اساسي في الموضوع الفلسطيني.
وإما أن تحاول حركة حماس إدارة الأزمة الداخلية، بأزمة مضادة تطال الجانب الإسرائيلي، من خلال فتح معركة معه تعيد للحركة الزخم الجماهيري من جهة، وتدفع دول الإقليم للعودة عن قرارها التوافق مع السلطة لإنهاء الانقسام على حسابها، من وجهة نظرها.
أما السلطة من جانبها فهي الأخرى لا تملك الكثير من هامش المناورة، ولكنها تتفوق على حركة حماس على صعيدي التوافق الإقليمي والدولي حول موقفها، وامتلاكها زمام المبادرة خاصة على الصعيد المالي، وبالرغم فهي إما أن تكمل سيناريو الضغط على حماس، وتعود إلى غزة من بوابة مشرعة، وإما أن تذهب إلى القرار الأصعب وتعتبر إقليم غزة، "إقليماً متمرداً".
إلى أين ستسير الأمور؟
من المرجح أن تنتهز حركة حماس هذه الأزمة لتفعيل بنود ميثاقها الجديد، والدخول إلى المعترك السياسي من أوسع أبوابه، وكأنها مجبرة أمام جمهورها.
ولكن هذا الخيار يتطلب من قيادة فتح والسلطة القبول بدور يعبر عن حجم الحركة في الحالة الفلسطينية، وإدخالها كشريك أساسي في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة معاً.
الأمر الذي تؤكد المؤشرات الأولية، استعداد الرئيس عباس تحديداً لقبوله لسببين اساسيين، الأول له علاقة بقطع الطريق أمام خصومه "محمد دحلان وتياره، ومجموعة "فلسطيني الخارج" وكل من اتحد معهم.
وأما الثاني فيتلخص في تدعيم موقف السلطة في إدارة المفاوضات على أرضية صلبة تستقي قوتها من وحدة الصف الفلسطيني عبر إنهاء ملف الانقسام.
إلا أننا يجب أن ننتبه إلى وجود شريحة من كلا الطرفين، لا أحد منهما معني بانهاء ملف الانقسام، لأسباب مختلفة، أهما المصلحة الخاصة.
الخاسر الوحيد في هذا الصراع الدائر حول الشرعيات، هو شرعية بقاء اليسار الفلسطيني حاضراً ذات قيمة مؤثرة، خاصة وأن قوى اليسار لطالما كانت تخشى بطش حماس في غزة خلال السنوات العشر الأخيرة ، وتعجز عن الاستغناء عن ما تقدمه السلطة في رام الله، فضلا عن حالة الخوف من معارضتها، الأمر الذي أدى بهذا التيار ليصبح لدى الجماهير الفلسطينية صفراً على شمال المعادلة.