كثيراً ما ترددت، على مدار سبعة عقود، مقولة أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى والقضية المركزية للأمة العربية وقضية القضايا. والمدقق في المواقف العملية للدول العربية فرادى، تلك العقود من القضية الفلسطينية، يكتشف دون عناء أن هذه الدول وضعت مصالح دولتها القطرية واستقرار نظام الحكم فيها في المرتبة الأولى من اهتماماتها...
ولم يكن للقضية الفلسطينية غير ما يتكرر من مواقف باتت كاسطوانة مشروخة لا تجد من يستمع إليها أو يعمل على تنفيذها باستثناء ما يتقرر في مؤتمرات القمة من دعم مالي متواضع لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن بعد ذلك للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكثيراً ما تخلفت دول عربية عن تقديم ما التزمت به من حصة بسبب شح الموارد المالية لتلك الدول،أو نتيجة لعدم رضا هذه الدولة أو تلك عن مواقف م.ت.ف والسلطة الفلسطينية التي تحاول قدر الإمكان النأي بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخطب ود هذه الدول التي لم تتوقف يوماً عن اختلاق الذرائع لإدارة ظهرها للقضية الفلسطينية، وتاريخ القضية الفلسطينية وثورتها المعاصرة منذ سبعة عقود، وإلى أن ظهر السلطة الفلسطينية مليء بالشواهد التي تؤكد أن القضية الفلسطينية لم تكن قضية العرب الأولى في أي مرحلة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي الذي أخذ شكل صراع فلسطيني إسرائيلي تراقبه الدول العربية وتبعد شعوبها عن مجرد التفكير به.
وفي الأسابيع القليلة القادمة تعقد قمة عربية جديدة في الأردن في ظروف عربية مأساوية لم تشهدها هذه الدول منذ تأسست في القرن الماضي. ولا ندري إن كان في جدول أعمال القمة الذي سيناقشه الملوك والرؤساء والأمراء بند خاص بدعم القضية الفلسطينية يحظى باهتمام المجتمعين، أم أن قضايا العراق وسوريا واليمن وليبيا الملتهبة، وقضايا الإرهاب الذي يضرب في كل من مصر وتونس والجزائر والبحرين يحتل المرتبة الأولى في نقاشات أصحاب الجلالة والسمو والسيادة.
فرشح عن مصادر أردنية أن القضية المركزية في القمة القادمة هي قضية المصالحة العربية،أي مصالحة بين سوريا والسعودية والإمارات والعراق، وهل يمكن أن تتم مصالحة تبويس اللحى على أنقاض حلب وحمص وحما وإدلب ودمشق والموصل وعدن وتعز والجزيرة و...
إن أسباب الكارثة التي تعصف في العالم العربي ودوله والأمة العربية، هي خلافات الأنظمة المستبدة بين بعضها البعض وولائها لدول كبرى وإقليمية واعتمادها أجندات خارجية في بلدانها بعيداً عن مصالح شعوبها في الأمن والاستقرار والتنمية والديمقراطية.
ولا يمكن أن نتصور مصالحة عربية في قمة قد لا يحضرها العديد من رؤساء الدول العربية، ولا بد للمصالحة المنشودة أن تسبقها لقاءات تمهيدية سرية وعلنية تباركها القمة.
إن القضية الفلسطينية كقضية تبحث في كل قمة وفي كل اجتماع للدول العربية على مستوى الجامعة العربية بحاجة إلى تأكيد من القمة على الثوابت الفلسطينية المتمثلة في دحر الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض الفلسطينية والعربية التي احتلت في حرب حزيران 1967، وإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عاصمتها القدس الشرقية وتأكيد حق العودة، كما لا بد عن التأكيد أن الصراع العربي الإسرائيلي ما زال قائماً ما لم تحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وأن العدو الرئيسي للأمة العربية ما زال هو إسرائيل التي تحتل أراضي عربية،كما أن لابد للقمة أن تزيل اللبس في المواقف العربية من كل من جيران العرب في الشرق إيران وفي الشمال تركيا والعمل والتعامل مع هاتين الدولتين، وليست تبعية لأي منهما، فالعرب الذين يدينون بدين سماوي ولغة واحدة وتاريخ واحد وآمال وطموحات واحدة ويقارب عددهم الأربعمئة مليون، ويتمتعون بثروات مادية وبشرية هائلة وموقع جغرافي فريد، يجب أن تكون لهم مكانة محترمة في عالم اليوم، لا أن ينظر إليهم كأمة إرهابية وزائدة يجب إخضاعها وتفتيتها وتدمير حضارتها وتهجير شعوبها.
نتطلع لقمة عمان بشيء من الأمل في أن تجمع الصف العربي ولم الشمل وتحديد من هم أصدقاء العمل ومن يجب التعامل معهم بإزالة العداء بيننا وبينهم. ونأمل أن تكون قضية فلسطين القضية المركزية للأمة العربية حقيقة وليس شعاراًأو قضية إنسانية.