من طينٍ خلق
وإلى الطين عاد
فأين مجاز السؤال، وأين نزف الجواب؟
مأخوذٌ بالشغفِ إلى أرضه الأولى، ومدرسته الأولى، وصفه الأول، عاش يشتم رائحة التراب، وربما الطبشور، على أصابعه، هل ما زالت حاضرةً كما كانت؟ وهل يمكن لها أن تعود؟
الجواب من مبنى السؤال، راح يُشيرُ للوشاةِ: إننا إذ عدنا "للجزء المتاح من الوطن"، لم تعد الروح للجسد.
هكذا دفعة واحدة، كانت مداواة العائد للغرباء على متن القصيد، يقترحُ صيغَ مجابهة آخرى لزمن آخر.. زمن ضال لم يسمح باكتمال هلال الحرية، ولم يأذن بسقوطِ المعنى من مدلولِ الهوية.
في تفاصيله، وأعني "الزمن" تجرعناه يمارسُ لعبة التناوب بين الضلالة والالتباس.. بين "أحمد" اسم شاعرنا المنتمي لأسماء الأنبياء، وملامح بلاده التي كانت لنا ولهم ولغيرنا على حدٍ سواء.
هنا قرر الشاعر، أن يحدّدَ فواصله العشرية، نكاية في الغريب وفينا، ليفاجئنا بأنه يعرف ما نعرف، ولكنه يرفض ما نقبله.
معافىً في سياقٍ مريض، كان إطلاق الولد الفلسطيني العنان لطائرته الورقية، علها تتخطى المتاح إلى المكتمل.. أطلقها ساخراً من كلِ ما مضى، ومن سقوطنا في شبهةِ العادي والمألوف، ليخطَ ملامح الانتصار على جدران الهزيمة، في طقس أقرب ما يكون للانزياح عن قيامة التراجيديا الفلسطينية.
هنا كان الشاعر أحمد دحبور، وكنا...
أما نحن فوقفنا نبكيه، ونبكي أنفسنا، لا لكونه رحل، وإنما لأننا نحن العابرون عاجلاً أم آجلاً.
وأما هو، فخاض كل معاركه كاملةً، ليحررَ روحه نحو تحقيق رغتبه الكامنة، التحليق أعلى من طائرته فوق المكتمل، فقط ليرسي دعائم البقاء.