حينما تُشرَع نوافذُ القلب وحينما يجتاحُ العينين نورٌ لؤلؤيّ.. هنا .. في هذي اللحظة يستحضر المكان روحَ شاعر. شاعر زرعنا وإياه عود لوز أخضر في منافينا مؤمّلين القلب بإيداعه الدار.. وحملنا وردة لجريح الثورة أينما حط بنا ركاب الثورة.. أحمد دحبور فلسطيني بقلب نبي .. أخذت به الأيام كل مأخذ.. لن أدخل في ذاتيته والنمطي من سرد سيرته أين ولد وكيف عاش وأين حط به المسير.. سألج عالمه وقد حمل حيفاه أيقونة بمحاذاة القلب تماما وتمثلت فلسطينه بمغناته " علم القدس" زيتونة خضراء يحميها بالدم "القلب المعلق على الشمال".
أحمد دحبور وقد صبغت روحه حواري وأزقة المخيم:
"اسمع .. أبيت اللعن رواية المخيم
افتح له عينيك وافهم
هذي الخرائب والمجاعة والخفوت
هذي الإعاشة والصدى الخاوي وأشباح البيوت
فيها كبرت
بها كبرت
وفوضتني عن جهنم"
في حين عاش المخيم لازمته الثورة في إبداعه مداً وجزراً .. وظل مؤمنا بالمد الثوري رغم ما اجتاح الثورة من جدب. بسيطة كانت أحلامه ومختلفة لذا جاءت عناوين دواوينه مرآة لما يختلج في نفسه ويعتمل في وجدانه "بغير هذا جئت" و "كلام الغريب" وكثير. لكن هل عانت هوية أحمد دحبور من الانتماء؟ سؤال مازال يلح على خاطري وربما خواطر كثر ممن شاركوني تجربة التعايش مع المخيم بحيث شكل لهم هوية مرحلية فجاء حس الاستقرار والأمن مشوبا بالقلق كما صورالشاعر في قصيدته "بنود الطموح" .. أماني بسيطة لكنها ليست في المتناول وهو ابن المخيم ممنياً النفس بأن الأمن لن يُتاح إلا بالعودة إلى حيفاه .. وهل تُراه عاد ؟! عاد أحمد دحبور .. عاد "الولد الفلسطيني" عودة منقوصة مجتزأة .. قصة عودته تكررت على مسمعي عشرات المرات على لسان من عاد إلى مسقط رأسه وارتقاء حلمه وموطن قلبه زائراً.. وهذا ما قُيّضَ له.. وصل أحمد دحبور حيفاه ولم يعد إليها .. عودة قد أصفها بكعب أخيل غير مكتملة أركانها وضعتنا في موضع البين بين لا تستوعبنا أرضُنا ولا تحلق بنا سماؤنا.
يا أيهذا العاشق الشاعر ضممت فلسطينك كحل عين وضمك حانياً ثراها بعيدا عن حيفاك .. تلك معادلة فرضت على الفلسطيني حينما أيقنتَ وأيقنا نحن أن الحق ما قالته فلسطينية تسمرت أمام شاشة التلفاز في زمن مدريدي أوسلوي قالت: ضاعت البلاد ياولدي.
لروحك سلام يا أحمد .. ستظل بيروت تشهد بأنك أديت أمانة جليلة.. سيشهد مخيم حمص أنك الولد الفلسطيني البار وتشهد الثورة أنك سجلتها مغاني حرية ومجد.. ونشهد بأن فلسطيننا جديرة بك.