الحدث- محاسن أُصرف
بدا حال بعض أطفال قطاع غزة في يوم العمال العالمي الذي يُصادف الأول من مايو/ أيار مؤلمًا، هؤلاء لم يكن لهم نصيبًا من العطلة الرسمية التي أقرتها الحكومة احتفاءً بالعمال في يومهم.
في صباح هذا اليوم لم يرتدي "عبد الله" 11عامًا من بلدة بني سهيلا في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، الزي المدرسي واستبدله بآخر يليق بحالة السوق الذي يأويه يوميًا بعد فراغه من الدراسة ليبيع بعض الخضراوات من الفجل أو الجرجير أو البقدونس أو النعناع ببضعة شواكل تُعينه على تحسين أوضاع أسرته المعيشية.
يؤكد لـ "الحدث" أنّه في الأيام العادية يُمارس العمل وفقًا لدوامه المدرسي إذا كان صباحًا يأوي إلى السوق بعد عودته وإذا كان مساءًا يلزمه منذ الساعات الأولى، فيما تُشير والدته أنها تجمع له بعض أوراق الجرجير والبقدونس وتضُمها في باقات حتى يبيعها سريعًا ويعود إلى المنزل يُؤدي واجبته المدرسية ثم يذهب ماشيًا إليها مسافة لا تقل عن الكيلو، تقول: "لا مُعيل لنا زوجي لا يعمل ويُعاني من الفشل الكلوي ولا سبيل لنا إلا العمل حتى في أيام الإجازة".
على عجلة من أمره جذب "عبد الله" باقات الجرجير بين يديه مُخبرًا أن لا وقت لديه للحديث معنا، كما رفض السماح لنا بتصويره، فالتزمنا رغبته، قال وهو الريح عبر أقدامه الملوثة بالتراب: "اليوم كل الناس إجازة والسوق أكيد مليان بدي ألحق أبيع الـ 50 ضمة وأرجع أكمل دراستي، عندي امتحان بكرة سلام".
على الرغم من بساطة الجملة التي قالها بلهجته الخالية من أي تنميق للحروف وترتيب للكلمات إلا أنّها تُبرز مدى المسئولية التي يتحملها وكافة أطفال غزة الذين يضطرون للعمل لأجل تحسين ظروف عيش أسرهم والتنعم بأبسط مقومات الحياة في وقتٍ يُعانوا فيه من إهمال رسمي.
ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الأطفال العاملين في قطاع غزة، لكنها ارتفعت بنسبة كبيرة خلال الحصار الإسرائيلي على غزة منذ 11 عامًا، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاءالفلسطيني فإن نسبة البطالة في فلسطين بلغت 26.9%فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل 360 ألف شخص في فلسطين خلال عام 2016، منهم حوالي 153 ألف في الضفة الغربية وحوالي 207 ألف في قطاع غزة.
العمل في الإجازات
في سوق الزاوية وسط مدينة غزة التقينا بـالفتى "أحمد حسن" 13 عامًا، يُجاهد في جذب الزبائن إلى الدكان الذي يعمل به، لكنّه لم يفلح.
ويُرجع خبراء اقتصاديون تراجع القوة الشرائية في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة إلى الأوضاع المأساوية التي يُعانيها من حصار وانعدام فرص العمل.
يؤكد "حسن" أنه ورغم نهي والده له مرارًا وتكرارًا وعدم موافقته على ولوجه إلى السوق ليُمارس مهنة البيع، إلا أنه يُصر على ألا يفعل ويأوي للعمل في أيام الإجازة، يقول: "الأوضاع في قطاع غزة صعبة للغاية والعدد الكبير لأسرتي دفعني للعمل لمساعدة والدي الذي يعمل في قطاع البناء الذي يتوقف بين الفينة والأخرى بسبب شُح الأسمنت ومواد البناء"ويُضيفلـ "الحدث" وهو يمسح حبات العرق المتساقطة على جبينه: ألزم السوق في دكان جارنا في أيام الجمع والإجازات الرسمية والإضرابات.
ويتقاضى الفتى "حسن" 20 شيكلًا يومية عمله منذ الصباح حتى السابعة مساءً، يؤكد أنها تُعينه على شراء بعض الفاكهة لأخوته خاصة وأن والده بالكاد يوفر الاحتياجات الأساسية لنا، ويُتابع أنّه في العطلة الصيفية يستمر بالعمل من أجل توفير أثمان كسوة العام الدراسي الجديد له ولأشقائه السبعة.
أما الطفل "عصام" الذي لم يتجاوز التاسعة فيجوب السوق ذهابًا وإيابًا بباقات النعنع، يبيع منها الثلاث باقات بشيكل واحد، يقول لـ "الحدث"إن ما يُحققه من مال مع نهاية اليوم لا يتجاوز الـ 15 شيكل في أحسن الأحوال لكنّه يُصر على العمل ليُساعد والدته المُطلقة ويجلب الحلوى لشقيقته الصغرى، يقول: "والدي خرج من غزة مهاجرًا ولم يعد وبقيت وأمي نواجه شظف العيش هنا".
يُذكر أن أعداد الأطفال الذين يلجئون للعمل تتزايد بشكل كبير خلال الإجازة الصيفية للمدارس فيتحولون من طلاب إلى باعة متجولين في الطرقات وعلى شاطئ البحر والمنتزهات وبعضهم يلوذ بالمحال التجارية.